للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «المحيط» (١) فقال: وعلى قياس مسألة النّوازل، قالوا أن من حلف، وأراد أن يقول في آخره: إن شاء الله، فسد إنسان فمه، أنه يكون استثناء، تأويله إذا ذكر الاستثناء بعد دفع اليد عن فمه متصلاً به، وقد وجدنا في نوادر هشام (٢) (٣) أنّه قال: سألت محمدًا عمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، وهو يريد أن يستثنى، فأمسكت بفمه، وحالت بينه وبين الاستثناء، قال يلزمه الطّلاق في القضاء، وفيما بينه وبين الله تعالى.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا هُوَ الصَّحِيحُ.

هذا احتراز عن قول بعضهم أن الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات، وهذا ينزع إلى أن في الاستثناء معنى المعارضة، وذلك فاسد لما عرف، ومعناه أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أي: بما بقي من المستثنى منه، فيصحّ استثناء البعض من الجملة فلمّا صحّ استثناء البعض من الجملة بعد ذلك لم يفرق بين أن يكون المستثنى أقل أو أكثر.

خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ (٤)، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ.

قوله -رحمه الله-: (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ)؛ لأنّه استثناء الأكثر، ولكنا نقول طريق الاستثناء ما.

قلنا: هو أن يكون عبارة عمّا وراء المستثنى، فشرط صحّته أن يبقى وراء المستثنى شيء يجعل كلامه عبارة عنه، وفي هذا لا فرق بين الأقلّ والأكثر، مع أنّ استثناء الأكثر موجود في القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (٥) استثنى الغاوين، وهم أكثر من المؤمنين على ما قال الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (٦)، ولم يذكر في الكتاب (٧) إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا نصف تطليقة، كم يقع، وقيل: على قول أبي يوسف -رحمه الله- (٨) يطلق ثنتين؛ لأنّ التّطليقة كما لا يتجزأفي الاستثناء، فصار كأنّه قال: إلا واحدة، وعند محمّد يطلق ثلاثاً؛ لأنّ في الإيقاع إنّما لا يتجزأ لمعنى في الموقع، وذلك لا يوجد في الاستثناء] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا وَاحِدَةً في الاستثناء أي: (٩) فيتجزأ فيه.


(١) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٨٧).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٨٧).
(٣) نوادر هشام، لهشام بن عبيد الله الرازيّ: فقيه حنفي، من أهل الري. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٢٨٢)، والأعلام للزركلي (٨/ ٨٧).
(٤) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٤٤).
(٥) [الحجر: ٤٢].
(٦) [سبأ: ١٣].
(٧) ينظر: مختصر القدوري (ص: ١٥٨).
(٨) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٤٥).
(٩) سقط من (ب).