للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثّانية: أنّ الرّجل إذا علق طلاق امرأته بشرط، ثم حلف أن لا يطلق امرأته، ثمّ وجد الشّرط لا يحنث، فلو كان وجود الشّرط بمنزلة التّطليق حقيقة لحنث؛ ولأنّه لم يوجد منه صنع بعد التّعليق في حالة الصحّة في حقّ وجود الشّرط، ولا كان متمكنًا من المنع؛ لأن ما كان يقدر على إبطال التّعليق ولا على منع الأجنبي من إيجاد الشّرط فلا يكون ظالماً، فلم يترتب عليه ما ترتب على الفار الظّالم، ولأنا إن نظرنا إلى التّعليق فحقها لم يكن متعلقاً بماله وقت التعليق، وإن نظرنا إلى الشّرط فلا صنع للزّوج، فلا يكون فاراً أو لابدّ له منه يصير فاراً.

فإن قيل يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَارًّا فِي التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ مُضْطَرًّا في مباشرة ذلك الفعل، فلا يصير الفعل ظلمًا فلا يرث.

قلنا: الاضطرار في جانب الفاعل لا ينفي وجوب الضّمان عنه، كمن اضطرّ إلى أكل مال الغير، أو إلى قتل الجمل الصائل، أو أتلف مال غيره، نائمًا أو مخطئاً أو لحاجته إلى سدّ رمقه واستيفاء بهجته، فإنّه يضمن، وإن لم يوصف فعله بالظلم، لما أنّ بقاء عصمته للغير يكفي لإيجاب الضّمان، فكذلك ههنا لم ترث؛ لأنّها راضية بذلك، فصار كأنّه طلقها بسؤالها لما أنّ الرضاء بالشّرط رضاء بالمشروط.

فإن قيل: لا كذلك فإنّ أحد الشريكين في العبد إذا قال لصاحبه: إن ضربته فهو حرّ، فضربه يعتق وللضارب ولاية تضمين الحالف، مع أنّ الضّارب ضربه باختياره، فلم يجعل ذلك منه رضاء يعتقه.

قلنا: الرضاء بالشّرط يكون رضاء بالمشروط إذا كان إقدام الشّرط باختياره ورضاه.

وأمّا إذا كان مجبوراً فلا كما في الشق الثاني من لْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ-على ما ذكر في الكتاب (١) -، والذي ذكرته من مسألة الإعتاق من قبيل ذلك، فإن تلك المسألة موضوعة في كتاب العتاق، فيما إذا كان قال: أحد الشّريكين إن لم أضرب هذا العبد اليوم فهو حرّ، فقال له شريكه: إن ضربته سوطًا فهو حرّ، فضربه، قال: للضّارب تضمين الحالف، وهو مضطر إلى اكتساب هذا الشّرط وفعل الشّرط بطريق الاضطرار لا يدل على رضاه بالمشروط.

ولا كذلك في مسألتنا فكانت راضية بالمشروط؛ لأنّها أقدمته باختيارها، -إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية» (٢) - أو يقول: أن حكم الفرار حكم ثبت على خلاف القياس بشبهة العدوان، لما ذكرنا في أوّل الباب، فكذلك ينفي حكمه -أيضاً- بشبهة الرضاء، ولا كذلك حكم الضمان، وقد وجد هنا شبهة رضا المرأة فكفى ذلك لنفي حكم الفرار.


(١) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٥٠).
(٢) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٥٠).