للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: لما كان قولها انقضت عدّتي مقتضياً سبق الانقضاء، كان قول الزّوج راجعتك، مقتضياً سبق الرّجعة، فتكون الرّجعة سابقة على الانقضاء، لما ذكرت أن الرّجعة لا تصحّ حال الانقضاء ولا بعده.

قلنا: لا كذلك؛ لأنّ قَوْلُهُ: رَاجَعْتُك إنْشَاءٌ، وَهُوَ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ، وَقَوْلُهَا: انْقَضَتْعِدَّتِي إخْبَارٌ، وَهُوَ إظْهَارُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ، فكان قولها سابقاً، أو لأنّ الشّرع جعلها أمينة في إخبارها بأمر العدّة، والزّوج في دعواه الرّجعة مدّعى، والقول قول الأمين في كل أمر اختلف المدّعي مع الأمين.

وذكر في «المبسوط» بيان هذا، فقال: أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ، وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُخْبِرَ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، فَإِذَا أَخْبَرَتْ مُجِيبَةً لِلزَّوْجِ عَرَفْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الِانْقِضَاءَ سَابِقٌ، وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حِلُّ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك، بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً، فَإِنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ لِلِانْقِضَاءِ هُنَاكَ حَالُ سُكُوتِهَا، وَلَا يُقَالُ مُصَادِفَةُ الرَّجْعَةِ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ نَادِرٌ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوَافِقَ حَالَةً، فَتَارَةً يُوَافِقُ كُلَّهَا، وَتَارَةً يَوْمَهَا، وَتَارَةً قَوْلَ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك، وَإِنْ تَمَكَّنَ مَا هُوَ نَادِرٌ، وَهُوَ رَجْعَةُ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُتَّهَمَةً إذَا فَرَّطَتْ فِي الْإِخْبَارِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِخْبَارِ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي الْإِخْبَارِ، لِأَنَّ بَيْعَهُ كَانَ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا مَعَ الْعَزْلِ (١).

وذكر في «مبسوط فخر الإسلام» بخلاف ما إذا سكتت؛ لأنّها اتّهمت بالتّأخير؛ لأنّ الواجب عليها أن تخبر متّصلاً بكلامه، لو كان الانقضاء ثابتًا قبل ذلك، وحيث سكتت ولم تجبر، فالظّاهر أنّها كاذبة، ومسألة الطّلاق على الخلاف، ولا يقع الطّلاق عند أبي حنيفة -رحمه الله- مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ، لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْوُقُوعِ، كَمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: كُنْت طَلَّقْتهَا فِي الْعِدَّةِ، كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ (٢)


(١) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٤).
(٢) ينظر: البحر الرائق (٤/ ٥٦).