للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لَمْعَةٌ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الرَّجْعَةِ هُنَاكَ لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ، فَكَانَتْ طَهَارَةً قَوِيَّةً فِي نَفْسِهَا، وَالِاغْتِسَالُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ لِكَوْنِهَا اغْتِسَالًا بِالْمَاءِ، وَلَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَى ذَلِكَ فِي حُكْمِ حِلِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا؛ لِاشْتِبَاهِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةَ، وَلِهَذَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ آخَرَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ -أَيْضًا-، لِكَوْنِهَا طَهَارَةً قَوِيَّةً.

وأمّا الحكم بحل الصّلاة في التيمم لا يدلّ على قوة الطّهارة؛ لأنّ قولنا: حلت لها الصّلاة] بالتيمم، تفسير لقولنا: تطهّرت، وقد ثبت أن قولنا: تطهرت بالتيمم ثابت في حقّ الصّلاة لا غير، فكذلك قولنا حلّت لها الصّلاة (١).

وأمّا الصّلاة الثّابتة دينًا في الذمّة، فثابتة قياساً بالتّفويت، بعد توجه الخطاب لا بالشّرع، بخلاف القياس فبذلك ظهر في حق عامّة الأحكام - إلى هذا أشار في «المبسوط» (٢)، و «الأسرار» - فتذكر ههنا الشبهة السّايرة والنكتة الدايرة فيما بين النّاس، ممّا يترآى أي مناقضة من الطّرفين وقد أسلفناه مشبعًا في باب الإمامة من كتاب الصّلاة، ثم المختصر ههنا في جواب الطّرفين، هو أن محمدًا عمل بالاحتياط في الموضعين جميعًا، وما يترآى مناقضة في حقّه إنّما كان بحسب اختلاف كلّ واحد من الموضعين في اقتضائه الاحتياط؛ ولأنه لا يلزم من كون التيمم قائمًا مقام الاغتسال صحّة الإمامة؛ لأنّ صحّة الإمامة ليست من ضرورة الاغتسال؛ لأنّه كم من مغتسل لا تجوز إمامته، كصاحب العذر لا تجوز إمامته وإن كان مغتسلاً، وما عملاً يترآاى مناقضة.

ولكن لا مناقضة فيما عملا -أيضاً-؛ لأنّهما عملا في حق الصّلاة بمورد الآية، حيث لا يتقيّد هناك بالضّرورة، وفي حق غيرها عملاً بحقيقة التلويث، وهو ضدّ التطهير، فكان طهارة ضرورية، والأحكام الثّابتة أيضاً ضرورية وهي حلّ قراءة القرآن، ومسّ المصحف، ودخول المسجد اقتضائية؛ لأنّ هذه الأحكام من توابع الصّلاة؛ إذ حلّ الصّلاة يقتضي حلّ دخول المسجد، وحلّ قراءة القرآن، فكان هذا جواباً عن حرف الخصم، بقوله كما أنّ الصّلاة تحلّ بالتيمم، فكذلك تحلّ هذه الأحكام علم أنّ التيمم طهارة مطلقة، وقيل بعد الفراغ وهو الصّحيح، وذكر في «المبسوط»؛ لأنّ الحال بعد شروعها في الصّلاة كالحال قبله، ألا ترى أنّها إذا رأت الماء لا يبقى لتيممها أثر (٣)، بخلاف ما بعد الفراغ، وإن كان أقلّ من عضو انقطعت، وهو نحو الأصبع -كذا في «المحيط» (٤) -أنّ ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلّته، فلا يتيقّن بعدم وصول الماء إليه، فقلنا تنقطع الرجعة، حتّى لو تيقنت هي بعدم وصول الماء إليها، بأن منعت عنها قصدًا، لا تنقطع الرّجعة كذا في «المحيط» (٥).


(١) سقط من (ب).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٩).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٣٠).
(٤) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٢٦).
(٥) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٢٦).