للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعنه وهو قول محمّد -رحمه الله- هو بمنزلة ما دون العضو، فإن كان الباقي أحد المنخرين فالرّجعة باقية بالاتفاق، -كذا في «المحيط» (١) -؛ لأنّ في فرضيته اختلافاً، فإن عند الشّافعي -رحمه الله- المضمضة والاستنشاق في الجنابة والوضوء (٢).

وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ، أي: قبل الطّلاق على ما يجيء من تأويل المسألة في الكتاب (٣)، وبطل زعمه بتكذيب الشّرع.

فإن قيل: وجب أن لا تكون كلمة حق الرجعة؛ لأنّ الرجعة حق مستحقّ له، وقد أنكر ثبوتها له أقصى ما في الباب أنّه صار مكذباً شرعًا حكمًا لثبات النّسب منه، لكن لا يلزم من كونه مكذباً شرعًا بقاء ما كان حقاً له، وصار هذا كرجل أقرّ بعين لإنسان، ثم اشتراها، ثم استحقّت من يده، ثمّ وصلت إليه يومًا من الدّهر أمر بالتّسليم إلى المقرّ له، وإن صار مكذباً شرعًا قلنا لم يتعلّق بإقراره هنا حقّ الغير، والموجب لحق الرجعة ثابت وهو الطّلاق بعد الدّخول، فوجب أن يكون له حق الرّجعة، بخلاف الإقرار فإنّه تعلّق به حق الغرماء، وإن صار المقر مكذباً شرعًا -كذا في «الفوائد الظهيرية» (٤) -.

فإن قيل: قوله: (لَمْ أُجَامِعْهَا)، صريح في عدم الجماع، ودلالة ثبوت النّسب لم يكن صريحًا في وجود الجماع، والصّريح إذا اجتمع مع غير الصّريح فالصّريح أولى.

قلنا: الدّلالة من الشّارع أقوى من الصّريح الصّادر من العبد، لاحتمال الكذب من العبد وعدم احتماله من الشّارع، فلأن تثبت به الرّجعة أولى؛ لأنّ الإحصان له مدخل في وجود العقوبة، ومع هذا يثبت بهذا الوطء، فلأن يثبت به الرّجعة التي ليست فيها جهة العقوبة بالطّريق الأولى.

قوله -رحمه الله-: فإن خلا بها وأغلقباباً وأرخى ستراً، -إلىقوله-: لم يملك الرجعة.

وإنّما أورد هذه المسألة عقيب تلك المسألة، لما أنّ هذه المسألة يترآاىمناقضاً حكمها للمسألة التي قبلها، مع اتحاد المعنى، وهو أن في هذه المسألة -أيضاً- صار في قوله: لم أجامعها، مكذباً شرعًا، فإنّه بعدما خلا بها بمثل هذه الخلوة التي ذكر تجب كمال المهر شرعًا إذا طلّقها، وكمال المهر في الطّلاق إنّما يجب إذا كان الطّلاقبعد الدخول، فكان في قوله: لم أجامعها، مكذّبًا شرعًا لا محالة، ثم مع ذلك لا تصحّ منه رجعة هذه المرأة، فلم يعتبر كونه مكذّبًا شرعًا في هذه المسألة في حق الرّجعة، واعتبر في تلك المسألة حتّى أثبت له ولاية الرجعة هناك، فأجاب عنه هذه المناقضة بقوله: ولم يصر مكذباً شرعًا؛ لأن تأكّد المهر المسمّى يبتني على تسليم المبدل، وتفسير الجواب هو أنّ تأكّد المهر مبنيّ على تسليم النّفس، وقد وجد ههنا؛ وذلك لأنّ الإبدال في العقود كلّها من البياعات والإجارات يتأكّد بالتّسليم، وتفسير التّسليم هو أن يرفع الموانع بينالْمُسْلِمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وتعدّد المسلم إليه، على أن يقبضه وقد وجد ههنا.


(١) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٢٧).
(٢) ينظر: الأم للشافعي (١/ ٥٧).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٥٥).
(٤) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٥٤).