للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (١) شرط نكاح الزّوج مطلقاً، بخلاف ما لو تزوّجها نكاحاً فاسدًا؛ لأنّ الله تعالى أمر بالنكاح، وأراد به النكاح الجائز؛ لأنّ الشّرع لا يأمر بالفاسد ومطلق النكاح ينصرف إلى الجائز.

ولو تزوّجها بشرط التحليل، بأن قال: تزوّجتك على أن أحللك (٢)، أو قالت المرأة ذلك، أمّا لو أضمرا ذلك في قلبهما فإنّه يصحّ العقد، ويحلّ للأوّل عند عامة العلماء، وقال مالك: لا يصح، وذكر الإمام التمرتاشي (٣) وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ، فتقول: زوجت نفسي منك على أنّ أمري بيدي أطلّق نفسي كلما أريد، فيقول الرّجل: قبلت، جاز النكاح وصار الأمربيدها، وفي التفاريق: لو ادّعت دخول المحلّل صدّقت، وإن أنكر هو، وكذا على العكس، وإذا طلق الحرّة تطليقة أو تطليقتين إلى آخره، وما قاله أبو حنيفة -رحمه الله- وأبو يوسف، قول ابن عبّاس، وابن عمر، وإبراهيم النخعي، وأصحاب عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم-، وما قاله محمّد وزفر والشافعي، قول عمر، وعلي، وأبي بن كعب (٤)، وعمران بن حصين (٥)، وأبو هريرة (٦) -رضي الله عنهم-، فأخذ الشبان بقول المشايخ من الصّحابة والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصّحابة -كذا في «المبسوط» (٧) -وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الطّلاق، أي: الطّلقة والطلقتين؛ لأنّه غاية للحرمة بالنّص يعني أنّ الزّوج الثّاني غاية للحرمة الحاصلة بالثّلاث بالنّص وهو قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٨) وحتّى للغاية حقيقة، وفي التّطليقة والتّطليقتين لم يثبت شيء من تلك الحرمة؛ لأنّها متعلّقة بوقوع الثّلاث، وببعض أركان العلّة لا يثبت شيء من الحكم، فلا يكون الزّوج الثّاني غاية؛ لأنّ غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقّق، كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فوالله لا أكلّم فلاناً حتّى أستشير فلانًا، ثم استشاره قبل مجيء رأس الشّهر، لا يعتبر هذا؛ لأنّ الاستشارة غاية للحرمة الثابتة باليمين، فلا يعتبر قبل اليمين، فإذا لم يعتبر كان وجودها كعدمها، ولو تزوّجها قبل التزوّج، أوقبل إصابة الزوج الثّاني كانت عنده بما بقي من التّطليقات.


(١) [البقرة: ٢٣٠].
(٢) إذا تَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطٍ إِذَا أَحَلَّهَا بِإِصَابَةٍ لِلزَّوْجِ الأْوَّل، فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل عَامَّةِ أَهْل الْعِلْمِاء، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّل بِكُل صُوَرِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُمْ تَحْرِيمًا، إِذَا كَانَ بِشَرْطِ التَّحْلِيل كَأَنْ يَقُول: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحِلَّكِ لِلأْوَّل، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ. انظر: كِفَايَة الأْخْيَار (٢/ ١٠٩)، وَالْحَاوِي الْكَبِير للماوردي (١١/ ٤٥٥)، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة (٦/ ٦٤٦)، وَالشَّرْح الصَّغِير (٢/ ٤١٥ وَمَا بَعْدَهَا)، وَحاشية ابْن عَابِدِينَ (٢/ ٥٣٧، ٥٤٠ وَمَا بَعْدَهَا).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٥٩).
(٤) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، سيد القراء شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدراً والعقبة، توفي في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين، وقيل مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَلَاثِيْنَ. ينظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (٧/ ٣٠٨)، سير أعلام النبلاء (٣/ ٢٤٣).
(٥) عِمْرَانَ بْن حصين بْن عُبَيْد بْن خلف الخزاعي الكعبي، وكان من فضلاء الصحابة، واستقصاه عَبْد اللَّه بْن عَامِر عَلَى البصرة، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، توفي سنة اثنتين وخمسين. ينظر: أسد الغابة (٤/ ٢٦٩).
(٦) عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة، صحابي، كان أكثر الصحابة حفظاً للحديث ورواية له، فأسلم سنة ٧ هـ، ولزم صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فروى عنه ٥٣٧٤ حديثاً، وكان أكثر مقامه في المدينة وتوفي فيهاسنة سبع وخمسين. ينظر: الأعلام للزركلي (٣/ ٣٠٨)، الإصابة في تمييز الصحابة (٧/ ٣٦٢).
(٧) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٥)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٥٩)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٤٤٠).
(٨) [البقرة: ٢٣٠].