للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا في حق اليمين فهو أن لا يكون المدّة منقوصة من أربعة أشهر.

وأمّا ركنه فنوعان، كما هو ركن سائر الإيمان، فإنّه إن كان في اليمين بالله فهو قوله: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وما يماثله من ذكر اسم من أسماء الله تعالى، وإن كان في اليمين بغير الله فهو قوله إن قربتك فعبده حرًا، وامرأته طالق، وما يشابهه ممّا يحلف به من الإيمان.

وأمّا حكمه فشيئان:

أحدهما: يتعلّق بالحنث بالقربان، وهو لزوم الكفارة في اليمين بالله، ولزوم الجزاء في اليمين بغير الله، والثّاني يتعلّق بالبرّ، بأن لم يقربها حتّى مضت مدّة الإيلاء وهو وقوع طلقة باينة.

فحاصله أن الإيلاء يوافق سائر الأيمان في حق حكم الحنث -كما ذكرنا من اليمينين-، ويخالف سائر الأيمان في حقّ حكم البرّ، فإنّ في سائر الأيمان لا يلزمه شيء بالبرّ، وهنا يلزمه تطليقة باينة، وقد تحقّق ما ذكرنا بأن المولي هو من لا يخلو عن أحد المكروهين -كذا في «الذّخيرة» وغيرها (١) -.

حنث في يمينه ولزمته الكفارة، وعند الشّافعي (٢) -رحمه الله- يحنث في يمينه، ولا يلزمه الكفارة؛ لأنّ الله تعالى وعد المغفرة وبعدما صار مغفوراً لا يجب عليه الكفارة، لما أنّ الكفارة للستر.

قلنا: وعد المغفرة في الآخرة لا ينافي وجوب الكفّارة في الدنيا، كما في قتل الخطأ فإنّه وعد المغفرة في الآخرة ومع ذلك وجبت الكفارة، وحكم الكفّارة عند الحنث في اليمين بالله ثابت، لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (٣) فكفارته كذا في «المبسوطين» (٤) وسقط الإيلاء، على معنى أنّه لو مضت المدّة لا يقع الطّلاق.

بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ (٥) أي: عندنا، فكان معنى الإيلاء إن مضت أربعة أشهر ولم أجامعك فأنت طالق تطليقة باينة، وهكذا نقل عن علي وابن مسعود وابن عبّاس وابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم- قالوا: عزيمة الطّلاق مضي المدة.


(١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٠٠).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٤٧)، الأم للشافعي (٥/ ٢٨٢).
(٣) [المائدة: ٨٩].
(٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٤٧)، الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (٣/ ١٧٤).
(٥) فَإِنْ أَصَرَّ الْمُولِي عَلَى عَدَمِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الَّتِي آلَى مِنْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ تَارِيخِ الإْيلَاءِ، كَانَ إِصْرَارُهُ هَذَا دَاعِيًا إِلَى الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لأِنَّ فِي ذَلِكَ الاِمْتِنَاعِ إِضْرَارًا بِهَا، وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْفَعَ الأْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، فَيَأْمُرَ الرَّجُل بِالْفَيْءِ - أَيْ بِالرُّجُوعِ عَنْ مُوجَبِ يَمِينِهِ - فَإِنْ أَبَى أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِ الأْمْرِ إِلَى الْقَاضِي وَلَا حُكْمِهِ بِتَطْلِيقِهَا. يُنْظَر: بدائع الصنائع (٣/ ١٧٦)، ومغني المحتاج (٣/ ٣٤٨)، والحاوي الكبير (١٣/ ٢٢٩)، والخرشي (٣/ ٢٣٨)، وعقد الجواهر الثمينة (٢/ ٢٢١)، والدسوقي على الشرح الكبير (٢/ ٤٣٦)، وبداية المجتهد (٢/ ٩٩ وما بعدها)، والمغني (١١/ ٣٠ وما بعدها).