للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم خروج النجاسة من البدن، يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء لوجهين:

أحدهما: أن النجاسة لما تجاوزت إلى الموضع الذي يلحقه حكم التطهير وجب تطهير ذلك الموضع بالإجماع عندنا حال ازدياد قدر الدرهم، وعند الخصم وإن قل، ثم وجوب التطهير في البدن باعتبار ما يكون منه لا يحتمل الوصف التجزيء؛ إذ هو يسمى محدثًا، وهذه الصفة أعني كونه محدثًا تشمله من قرنه إلى قدمه؛ وذلك لأن الصفة وإن قامت بمحل واحد معين يتصف كل البدن بتلك الصفة كالعلم والعمى والبصر فكذلك موضع الخروج لما اتصف بصفة النجاسة كان كل البدن موصوفًا بها، فحينئذٍ يوجب قيام هذه الصفة تطهير جميع الأعضاء، فبعد ذلك الاقتصار على الأعضاء الأربعة كان أمرًا غير معقول.

والثاني: أنه لما [خرج النجاسة من موضع] (١) وجب غسل ذلك الموضع لما ذكرنا، [ولما] (٢) أن قيام من قام بين يدي من هو واجب التعظيم الذي يعلم الظاهر والباطن مستصحبًا لما يستقذر قبيحٌ جدًّا، [واذا وجب] (٣) غسل ذلك الموضع وجب غسل الباقي لا لإزالة النجاسة لكن؛ لأن غسل بعض البدن دون البعض يخل بالزينة فيجب غسل كل البدن تحقيقًا لمعنى التزين، ثم الاقتصار على الأعضاء الأربعة بعد هذا كان أمرًا غير معقول أي: غير مدرك بالعقول.

لَكِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرُورَةَ تَعَدِّي الْأَوَّلِ

-قوله: «لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول» أي: لكن الاقتصار الذي هو غير معقول يتعدى ضرورة تعدي القدر المعقول الذي هو زوال الطهارة عند حلول النجاسة [كشف] (٤) هذا هو أن القياس عبارة عن إبانة مثل [حكم] (٥) أحد المذكورين بمثل علته في الآخر وهو عبارة عن تقدير الفرع بالأصل في الحكم والعلة، وكل واحد منهما يقتضي أن يكون الفرع مماثلاً للأصل لا مخالفًا له حتى أنه لو تغير حكم النص في نفسه كما في مسألة الإطعام أو تغير حكمه في الفرع كما في ظهار الذمي لا يصح القياس.

ثم ها هنا أعني الخارج من السبيلين الحكم في الأصل مشتمل على معنيين: أمر معقول أصالةً وهو زوال الطهارة عند حلول النجاسة.

وغير معقول تبعًا وضمنًا وهو الاقتصار على الأعضاء الأربعة؛ لأنه ثبت مرتبًا عليه فكان تبعًا، فيجب أن يثبت الحكم في الفرع وهو الخارج النجس من غير السبيلين على وفاق ذلك مشتملاً على معنيين أيضًا: أمر معقول، وغير معقول؛ لئلا يلزم تغير حكم النص في نفسه أو في الفرع، ثم الحكم الذي هو غير معقول وإن كان لا يتعدى قصدًا كإيجاب الطهارة بالقهقهة في الصلاة، لكن يتعدى إذا كان ثابتًا في ضمن حكم معقول ضرورةً تعدى ذلك الحكم المعقول؛ لأن الاعتبار للمتضمن لا للمتضمَّن كالوكالة الثابتة في ضمن الرهن، ولأن [تعدية] (٦) ما هو معقول واجب وما ليس بمعقول ليس بممتنع التعدية؛ إذ هو ثابت في ضمن حكم شيء آخر فيعدى بتعديته كاستواء الجيد مع الرديء في باب الربا، وهو غير معقول؛ إذ التسوية بينهما كالتسوية بين الموجود والمعدوم، ولهذا أجري على وفق القياس في بيع المريض وبيع الوصي مال الصغير حيث لم يسقط اعتبار الجودة وإن كانت في الأموال الربوية، وأنه يعدى إلى غير المنصوص عليه من المكيلات، والموزونات كالجص، والنورة، والحديد ضرورة تعدي أمر معقول، وهو حرمة الفضل بعد المساواة صورةً ومعنىً بالقدر والجنس؛ إذ المساواة لا تتحقق مع بقاء التفرقة بين الجيد والرديء، وإن وجدت المساواة بالقدر والجنس.


(١) ساقط من (ب).
(٢) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): «ولو أوجب».
(٤) في (ب): «وكشف».
(٥) ساقط من (ب).
(٦) في (ب): «تعدي».