للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: وجهه هو أن هذه الآية - وإن اقتضت عدم المشروعية على ما ذكرت، و [الآية الأخرى] (١) ناصّة بحكمها - تقتضي عدم الحرمة (٢) والكراهة/ ٣٦٠ ب/ من كلّ وجه، وهي قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٣)، وهذه الآية بإطلاقها [تقتضي] (٤) إباحةَ الأخذ من كلِ وجه، فبرزت من معارضتهما الكراهة، لأن الكراهة مع أصل الجواز موجب مثل هذه المعارضة، ولأنّ المرأة تصرفت في مالها بالدّفع إلى زوجها باختيارها من غير إكراه، فمن أين يثبت عدم مشروعية الأخذ وهذا النهي وإن ورد في الأفعال الحسيّة ولكن هو لمعنى في غيره، وهو زيادة الإيحاش (٥)، فلا يعدم المشروعية في نفسه، كما في قوله -عليه السلام-: «لا تتخذوا دوابكم كراسيَّ» (٦)، وإلى هذا أشار في الكتاب بقوله: وقد ترك في حق الإباحة لمعارض، فيبقى معمولاً في الباقي، وهو الجواز مع الكراهة، كما في سؤر الهرة.

وذكر الإمام المحبوبي (٧) -رحمه الله- وعند نفاة القياس (٨) وهم أصحاب الظواهر (٩): لا يجب المال إذا كان النشوز من قبل الزوج، قلّ ذلك أو أكثر، بظاهر قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} (١٠) إلى أن قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (١١) والاعتداء ظلم، والمال لا يجب بالظلم، ولكنا نستدل بما روينا من الآثار، وتأويل الآية في الحلّ والحرمة لا في منع وجوب المال وتملّكه.


(١) في (ب): آيةً أخرى.
(٢) الْحَرَامُ، ضِدُّ الْوَاجِبِ، وَهُوَ مَا ذُمَّ فَاعِلُهُ شَرْعًا. (شرح مختصر الروضة للطوفي ١/ ٣٥٩).
(٣) البقرة: ٢٢٩.
(٤) سقطت من (ت).
(٥) الإيحاش من الوَحْشةُ، وهي الفَرَقُ مِنَ الخَلْوة. يُقَالُ: أَخذَتْه وَحْشةٌ. وأَرض مَوْحُوشةٌ: كَثِيرَةُ الوَحْشِ. واسْتَوْحَشَ مِنْهُ: لَمْ يَأْنَسْ بِهِ فَكَانَ كالوَحْشيّ. انظر: (لسان العرب ٦/ ٣٦٨).
(٦) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، باب الزجر عن اتخاذ الدواب كراسي بوقفها (٤/ ١٤٢) برقم (٢٥٤٤)، وابن حبان في صحيحه، باب ذكر الزجر عن اتخاذ المرء الدواب كراسي (١٢/ ٤٣٧) برقم (٥٦١٩)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (١/ ٦١٢) برقم (١٦٢٥)، وكذلك (٢/ ١٠٩) برقم (٢٤٨٦) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(٧) هو جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأبي حنيفة الثاني، (ت ٦٣٠ هـ).
انظر: الجواهر المضية (١/ ٣٣٦)، سير أعلام النبلاء (٢٢/ ٣٤٥)، الوافي بالوفيات (١٩/ ٢٢٩).
(٨) القياس: رد فرع إلى أصل بعلة جامعة بينهما. (العدة في أصول الفقه ١/ ١٧٤).
(٩) أصحاب الظواهر يقصد بهم الظاهرية، وهم يقولون بأن القياس ليس حجة شرعية على الأحكام، لذلك يطلق عليهم: نفاة القياس. ينظر: (علم أصول الفقه، عبدالوهاب خلاف ص ٥٤).
(١٠) البقرة: ٢٢٩.
(١١) البقرة: ٢٢٩.