للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله -رحمه الله- لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا بَدْءًا، أي أولاً، وهو إشارة إلى قوله {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (١)، ولأن اختيار الخلع أمر مكروه، قال النبي -عليه السلام- في المختلعات: «هن اللعينات هن المنافقات» (٢)، فأطلقنا الزيادة رجاء أن يصدها عن ذلك إذا كان النشوز منها، وكرهنا الكلّ عند نشوزه، ولعلّه يصدُّه عن ذلك؛ لأنّ النبي -عليه السلام- قال: «لعن الله كل ذواق مطلاق» (٣).

ووجه إطلاق الزيادة إذا كان النشوز من قبلها، أيضاً ما روي أن امرأة ناشزة أُتي بها إلى عمر -رضي الله عنه- فحبسها في مزبلة (٤) ثلاثة أيام، ثم دعاها فقال: كيف وجدت مبيتك، فقالت: ما بت ليلة هي أقر لعيني من هذه الليالي، لأني لم أره، فقال عمر: وهل يكون النشوز إلا هكذا، اخلعها ولو بقرطها (٥). (٦)

قال قتادة: يعني بجميع ما تملك هي، كذا ذكره الإمام الكشاني (٧)، والإمام المحبوبي


(١) البقرة: ٢٢٩.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطلاق واللعان، باب ماجاء في المختلعات، رقم (١١٨٦) وقال عنه: "حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي" (٣/ ٤٨٤)، والنسائي في سننه، باب ما جاء في الخلع برقم (٣٤٦١)، وعبدالرزاق في مصنفه، باب ما يقال في المختلعة والتي تسأل الطلاق برقم (١١٨٩١)، وأحمد في مسنده برقم (٩٣٥٧).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، باب من كره الطلاق من غير ريبة، رقم (١٩١٩٣) بلفظ: «إن الله لا يحب كل ذواق من الرجال، ولا كل ذواقة من النساء».
(٤) الزِّبْل: السِّرْقِينُ، وَهُمَا فَضْلَةُ الْحَيَوَانِ الْخَارِجَةُ مِنَ الدُّبُرِ، وَالْمَزْبَلَةُ مَكَانُ طَرْحِ الزِّبْل وَمَوْضِعُهُ، وَالْجَمْعُ مَزَابِل. وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. ينظر: (تاج العروس تاج العروس، مادة "زبل" ٢٩/ ١١١)، (لسان العرب، مادة "زبل" ١١/ ٣٠٠).
(٥) القُرْط: مَا عُلق فِي شحمه الْأذن من خَرَز أَو ذهب، وَالْجمع أقراط وقِرَطة وقروط. ينظر: (جمهرة اللغة ٢/ ٧٥٧)، (تهذيب اللغة ٩/ ٨).
(٦) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (كتاب الطلاق/ باب ما جاء في الخلع/ ١٤٣٨)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الطلاق/ باب من رخّص أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها/ ١٨٥٢٥)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الخلع والطلاق/ باب الوجه الذي تحل به الفدية/ ١٤٨٥٢).
(٧) مسعود بْن الحسين أبو المعالي الكُشَانيَ السَّمَرْقَنْديّ، نقله الخاقان مِن بُخارى إلى سَمَرْقَنْد للتّدريس بالمدرسة الخاقانيَّة وولّاه خَطَابة سَمَرْقَنْد، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدَّة، وتُوُفّي في ربيع الأوّل سنة ٥٢٠ هـ. يُنْظَر: تاريخ الاسلام (١١/ ٣٢٧).