للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- رحمهما الله - (١).

ووجه الرواية الأخرى، قوله -عليه السلام- في امرأة ثابت بن قيس (٢) إلى آخره، روي أن جميلة بنت سلول (٣) كانت تحت ثابت بن قيس، فجاءت إلى رسول الله -عليه السلام- فقالت: لا أعيب على ثابت في دِين ولا خلق، ولكني أخشى الكفر في الإسلام لشدة بغضي إيّاه، فقال -عليه السلام-: «أتردين عليه حديقته»، فقالت: نعم وزيادة، فقال: «أما الزيادة فلا» (٤)، عُلم أن أخذ الزيادة لا يجوز.

فإن قيل: هذا الحديث معارض بقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٥)، ومن شرط قبول خبر الواحد عدم معارضة الكتاب، قلنا: النص إذا خُصّ منه شيء أو عُورض بنص آخر مثله خرج عن كونه قطعيًّا، ثم هذا الحديث إن كان مخالفاً في حق الزيادة لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٦)، فهو موافق لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (٧)، فكان هو في الحقيقة معارضة الكتاب للكتاب، لا معارضة خبر الواحد للكتاب، فجاز التمسك به، لأنّه موافق لأحد النصين؛ لأن مقتضى ما تلوناه إشارة إلى قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (٨) شيئان: أحدهما جواز أخذ الزيادة حكمًا أي شرعًا، والثاني إباحة أخذ الزيادة.

فإن قلت: الجواز والإباحة عبارتان عن معبر واحد، [و] (٩) شيئان لا ينفكان، [فأينما] (١٠) أريد أحدهما أريد معه الآخر، لأنّه لا جواز لشيء بدون الإباحة، ولا إباحة لشيء بدون الجواز فكيف يصح؟.


(١) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٥٠)
(٢) ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي الأنصاري: صحابي، كان خطيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد. وفي الحديث: نعم الرجل ثابت، قتل يوم اليمامة شهيدًا في خلافة أبي بكر سنة ١٢ هـ. ينظر: أسد الغابة (١/ ٢٧٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (١/ ٥١١).
(٣) جميلة بنت أَبِي ابْن سلول، أخت عَبْد اللَّهِ رأس المنافقين. وقيل: كانت ابنة عبد الله، وهو وهم، وكانت تحت حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها ثابت بن قيس بن شمّاس، فتبركته ونشزت عليه. ينظر: أسد الغابة (٦/ ٥١).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الخلع وكيف الطلاق فيه، رقم (٥٢٧٣).
(٥) البقرة: ٢٢٩.
(٦) البقرة: ٢٢٩.
(٧) النساء: ٢٠.
(٨) البقرة: ٢٢٩.
(٩) في (ب): (أو).
(١٠) في (أ) (فأيهما).