للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله: شَيْئَانِ، وكيف يصح [حينئذ] (١)؟.

قوله: وَقَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ فَبَقِيَ مَعْمُولًا فِي الْبَاقِي، معنى الجواز.

قلت: لا، بل هما شيئان مختلفان، ألا ترى أنّ ضد الإباحة الكراهة، وضدّ الجواز الحرمة، فبضدها تتبيّن الأشياء، وأمّا قولك فإنهما شيئان لا ينفكان، قلنا بل هما ينفكان.

ألا ترى أن البيع وقت النداء جائز وليس بمباح (٢)؛ وذلك لأنّ الإباحة لمّا كانت عبارة عن عدم الكراهة، احتمل أن يكون الشيء جائزاً مع الكراهة، التي هي ضدّ الإباحة، وهذا كثير النظير، فإن جميع صور النهي في الأفعال الشرعية كذلك، كصوم يوم النحر، وغيره، ثم النهي ههنا وهو/ ٣٦١ أ/ نهى النبي -عليه السلام- عن أخذ الزيادة، وَرَدَ لمعنى في غيره، وهو زيادة الإيحاش بأخذ المال، مع إيحاش الفراق، إذْ الحُكم الشّرعي يدور مع الدليل، وهو الفراق ههنا، وإن كان هو مطلوب المرأة في هذه الصورة.

وإنّما قلنا إنّ النهي لم يكن لمعنى في عينه، لأنّ المرأة تصرفت في مالها بالدّفع إلى زوجها باختيارها من غير إكراه، وكان مشروعًا في نفسه، والنهي إذا كان [لمعنى] (٣) في غيره لا يعدم المشروعية، فلذلك لم يكن حديث النهي عن أخذ الزيادة متعرِّضًا للجواز، فبقي مقتضى قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (٤) معمولاً في الجواز، وهو معنى قوله، فبقي معمولاً في الباقي أي في الجواز، والمراد من قوله: لِمُعَارِضٍ هو قوله -عليه السلام-: «أما الزيادة فلا».

(وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلاقُ)، صورة المسألة ما إذا قال لامرأته: أنت طالق بألف أو على ألف، وأما إذا قال لها: أنت طالق وعليك ألف درهم، فقبلت، يقع الطلاق، ولا يلزمها المال - عند أبي حنيفة - (٥) على ما يجيء إن شاء الله، وقد علّقه بقبولها.

فإن قلت: لا يُسلم أنّه علّقه بقبولها، فإنّ قوله: طلقتك على ألف، يحتمل أن يكون معناه على ألف تؤدّينه، فكان معلّقًا بالأداء، ويحتمل أن يكون معناه على ألف تقبلين أداءه، فكان معلّقًا بالقبول، فمن أين ترجح جانب القبول على جانب الأداء ههنا.


(١) سقطة من (أ).
(٢) المباح: كل فعل مأذون فيه لفاعله، لا ثواب له في فعله، ولا عقاب في تركه. ينظر: (العدة في أصول الفقه ١/ ١٦٧).
(٣) في (أ) (بمعنى).
(٤) البقرة: ٢٢٩.
(٥) ينظر: الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٥٧)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٦٠).