للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: إنّما ترجح تعليق جانب القبول ههنا على جانب الأداء، بدلالة ذكره في مقام المعاوضة، وفي المعاوضات يتعلّق الحكم بالقبول [دون] (١) الأداء، [فلو قلنا بتعليقه بالأداء] (٢) كانت كلمة على للشرط المحض، وهي إنّما كانت لذلك في غير المعاوضات، كما في قوله: أنت طالق على أن تدخلي الدار، كان الدخول شرطًا محضاً على ما يجيء كالقصاص.

فإن القصاص وإن كان هو ليس بمال، جاز أخذ العوض عنه، فكذا هنا، وكان الطلاق بائنًا لما بيّنا وهو الحديث المذكور.

[وقوله:] (٣) وَلِأَنَّهَا لَا تُسْلِمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا، وإن بطل العوض في الطّلاق كان رجعيًّا (٤)، ولهذا لا يكتفي لانتقاض هذا الأصل في غير المدخول بها، ولانتقاضه فيما إذا كان لفظ الطلاق في الثالثة، وعن هذين النقيضين احترز في «المبسوط» (٥) بقوله: وكلّ تطليقة أو تطليقتين بجُعل (٦)، أبطل الجعل وأمضى فيه الطّلاق، فالطّلاق رجعي إذا كان قد دخل بها (٧).

كان العامل في الأوّل لفظ الخلع، وهو كناية (٨) وبهذا لا يكتفي، بل يجب أن يقال: وهو كناية، ولها دلالة على قطع الوصلة؛ لأنّه مشتق من خلعت الخف، إذا نزعته وأزلت عنك.

وإنّما احتيج إلى هذا التأويل (٩)، لأن من الكنايات ما هو رجعي، مثل اعتدي، واستبري، وأنت واحدة، بخلاف ما إذا خالع على خلع بعينه، فظهر خمراً (١٠)، فعلى قول أبي حنيفة -رحمه الله- عليها أن تردّ المهر (١١) المأخوذ.


(١) سقطت من (ت).
(٢) كذا في (ب)، في (أ) تكررت جملة (فلو قلنا بتعليقه دون الأداء)، والصحيح ما أثبت.
(٣) في (أ) (وقال).
(٤) الطلاق الرجعي: ما يجوز معه للزوج رد زوجته في عدتها من غير استئناف عقد. انظر: (الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٢/ ١٠٤).
(٥) كتاب المَبْسُوط لشمس الدين أبو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي، حققه خليل محي الدين الميس، وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقه.
(٦) الجعل بالضم الأجر، يقال: جعلت له جعلا، والجعالة بكسر الجيم وبعضهم يحكي التثليث اسم لما يجعل للإنسان على فعل شيء. ينظر: (المصباح المنير ١/ ١٠٢)، (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ٤/ ١٦٥٦).
واصطلاحاً: التزام عوض معلوم على عمل معين معلوم أو مجهول بمعين أو مجهول. انظر: (المجموع شرح المهذب ١٥/ ١١٥).
(٧) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٨٠).
(٨) سبق تعريف الكناية (ص ٨٩).
(٩) التَأْويل: تفسير ما يَؤُولُ إليه الشئ. وقد أولته وتأولته تأولا بمعنى. (الصحاح ٤/ ١٦٢٧)
(١٠) الخمرة لغةً: ما أسكر من عصير العنب، وسميت بذلك لأنها تخامر العقل. ينظر: (لسان العرب ٤/ ٢٥٥).
وصطلاحاً: الخمر تطلق على ما يسكر قليله أو كثيره، سواء اتخذ من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو غيرها. ينظر: (المغني لابن قدامة ٩/ ١٥٩)، المدونة (٤/ ٥٢٣)، كشاف القناع (٦/ ١١٧).
(١١) المهر في اللغة: صداق المرأة؛ وهو: ما يدفعه الزوج إلى زوجته بعقد الزواج؛ والجمع مهور ومهورة. ينظر: (المصباح المنير ٢/ ٥٨٢).
وفي الاصطلاح: هو ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرًا. ينظر: (مغني المحتاج ٤/ ٣٦٦).