للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنّما قيد قوله بخلاف ما إذا كاتب على خمر بالخمر، فإنّه لو كاتب عبده على ميتة (١) أو دم فإنّ الكتابة هناك باطلة، حتّى لو أدّى لا يعتق، ولا تجب القيمة، كذا ذكره الإمام الإسبيجاني (٢) -رحمه الله- (٣).

فأمّا الإسقاط فنفسه شرف، أي تتشرف المرأة، حيث تعود مالكة على نفسها من كلّ وجه كما كانت، فلذلك لم يجب على الزوج شيء.

بخلاف النكاح، فإنّه يجب عليه المهر (٤)؛ لأنّ في النكاح استيلاء على محلّ محترم، فيجب المال بمقابلة الاستيلاء، ثم الدّليل أيضاً على أنّ البضع (٥) عند الدخول في مِلْك الزّوج متقوم، وعند الخروج عنه ليس بمتقوّم، تزوّج المريض وخلع المريضة، فإن المريض إذا تزوّج امرأةً بمهر مثلها، أن ذلك جائز من جميع المال، وخلع المريضة يعتبر من الثلث.

(وما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في الخلع)، وإنّما لم يذكر عكسه حيث لم يقل: وكل ما لا يجوز/ ٣٦١ ب/ أن يكون مهراً لا يجوز أن يكون بدلاً في الخلع، فإن ذلك غير مستقيم؛ لأنّ من الأشياء ما هو غير صالح [للمهر، فهو صالح] (٦) لبدل الخلع، وهذا -أيضاً- ينزع إلى ما ذكرنا من أن البضع متقوم حالة الدخول دون الخروج.

وقد ذكر في «المبسوط» وإن اختلعت منه بما في بطن جاريتها (٧)، أو على ما في بطون غنمها، فهو جائز، وله ما في بطونها بخلاف الصداق، فإنّه في مثله يجب مهر المثل لها؛ لأنّه ما في البطن ليس بمال متقوم في الحال، ولكن باعتبار المآل هو مال بعد الانفصال، إلا أن أحد العوضين - وهو النكاح في باب النكاح - لا يحتمل التعليق بالشرط، فكذلك العوض الآخر فلا يمكن تصحيح التسمية في الحال؛ لأنّ المسمّى ليس بمال ولا باعتبار المآل، لأنّه في معنى الإضافة (٨) أو التعليق بالانفصال، فكان لها مهر مثلها، فأمّا الخلع فأحد العوضين، وهو الطّلاق، يحتمل الإضافة والتعليق بالشرط، فكذلك العوض الآخر، فأمكن تصحيح تسمية ما في البطن باعتبار المآل، وهو ما بعد الانفصال، وإذا صحّت التسمية فله المسمّى، وإن لم يكن في بطونها شيء فلا شيء له، لأنّها ما غرته (٩)، فما في البطن قد يكون مالاً متقومًا، وقد يكون غير ذلك، من ريحٍ أو ولد ميت، والرجوع عليها بما أعطاها بحكم الغرور، وما حدث في بطونها بعد الخلع، فهو للمرأة، لأنّها سمّت الموجود في البطن عند الخلع، فلا يتناول ما يحدث بعد ذلك، بل الحادث نماء ملكها، فيكون لها (١٠).


(١) الميتة: هي الحيوان الذي مات حتف أنفه أو قتل على هيئة غير مشروعة. ينظر: المصباح المنير مادة "موت" (٢/ ٥٨٤)، ينظر: (الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ٢/ ١٨٤).
(٢) علي بن محمد بن إسماعيل شيخ الإسلام السمرقندي الإسبيجاني، فقيه حنفي، أستاذ المرغيناني صاحب الهداية، من مؤلفاته (شرح مختصر الطحاوي) و (المبسوط)، ولد سنة ٤٥٤ هـ، وتوفي سنة ٥٣٥ هـ.
انظر: تاج التراجم (ص: ٢١٢)، هدية العارفين (١/ ٦٩٧).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٢١٤)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٨/ ٤٨).
(٤) المهر هو الصداق، وَلَهُ أَسْمَاءُ الصَّدَاقِ وَالصَّدْقَةِ وَالْمَهْرِ وَالنِّحْلَةِ وَالْفَرِيضَةِ وَالْأَجْرِ وَالْعَلَائِقِ وَالْعَقْرِ وَالْحِبَاءِ، واصطلاحاً: هو العوض المسمّى في عقد النكاح أو مايقوم مقامه. (المطلع على ألفاظ المقنع ص: ٣٩٦)، (كشاف القناع عن متن الإقناع ٥/ ١٢٨).
(٥) البضع هو الفرج نفسه وقيل هو الجماع. ينظر: (لسان العرب ٨/ ١٤)، (غريب الحديث لابن الجوزي ١/ ٧٤)، (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص ٢٠٠).
(٦) سقطت من (ت).
(٧) الجارية: هي الامة صغيرة كانت أم كبيرة، البنت الصغيرة التي لم تبلغ. (معجم لغة الفقهاء ص ١٥٨)
(٨) الإضافة: هي ضم كلمة إلى أخرى بتنزيل الثانية منزلة التنوين من الأولى، والقصد منها تعريف السابق باللاحق، أو تخصيصه به، أو تخفيفه، نحو: كتاب الأستاذ، وضوء شمعة. ينظر: (أوضح المسالك ٣/ ٨١)، (المعجم الوسيط ١/ ٥٤٧)، (معجم النحو ص ٣٢).
(٩) الغرر: ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا. ينظر: (التعريفات ص: ١٦١).
(١٠) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٨٨).