للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأمّا قولهما: فمن جانبها شرط اليمين، قلنا: نعم قبول المرأة شرط في حق الزوج، فأمّا في نفسه فتمليك مال جعل شرطًا بهذا الوصف، كرجل قال لآخر: إن بعتك هذا العبد بكذا فعبدي هذا الآخر حرّ، أنّه معلّق بالمعاوضة فلم يمنع كونه معاوضة عن أن يكون شرطًا لليمين فكذا هذا.

وإذا كان كذلك ثبت فيه الخيار، ثم لما بطل القبول بالردّ بحكم الخيار، بطل كونه شرطًا؛ لأنّ كونه شرطًا قائم بهذا الوصف وهو أنّه تمليك مال، والعقود ثلاثة أقسام: لازم لا يحتمل الفسخ وهو النكاح، وغير لازم فلا يليق به الخيار كالوكالة، ولازم يحتمل الفسخ وهو البيع والكتابة ونحوهما، والخيار ما شرع إلا في هذا القسم، إلى هذا أشار فخر الإسلام -رحمه الله- (١).

فإن اختارت في ذلك المجلس فلها ما اختارت وإن لم تقل شيئاً حتى قامت فالطّلاق واقع والخلع ثابت.

قال الفقيه أبو الليث (٢) -رحمه الله-: وبه نأخذ، كذا في الفصول للإمام الاستروشني (٣) (٤).

وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطّلاق، يعني يصحّ الخيار من العبد إذا خيّره المولى في الإعتاق على مال، كما يصحّ الخيار في الخلع من جانب المرأة، والجامع بينهما هو أن للمرأة لا يحصل شيء؛ لأنّ البضع ليس له حكم مال عند الخروج، وكذلك مالية العبد يتلف على ملك المولى للإعتاق، وقبول المال جائز في العتاق والطلاق.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ، إلى آخره وهو أنّ إيجاب الطلاق بالمال تعليق الطّلاق بالقبول، ولهذا لا يصحّ الرجوع منه فكان القبول شرطًا، والزوجان إذا اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج؛ لأنّ الإقرار (٥) بالتعليق لا يكون إقراراً بوجود الشرط لأنّ التعليق يمين، فعند وجود الشرط لم يبق يمينًا، فكان وجود الشرط ضدّ اليمين، فكيف يكون الإقرار بالشيء إقراراً بضدّه.


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٣١).
(٢) نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السَّمَرْقَنْدي، أبو الليث، الملقب بإمام الهدى، علامة، من أئمة الحنفية، من الزهاد المتصوفين، له تصانيف نفيسة، منها: (بستان العارفين) و (تنبيه الغافلين) توفي ٣٧٣ هـ.
انظر: تاج التراجم (ص: ٣١٠)، سير أعلام النبلاء (١٦/ ٣٢٢).
(٣) محمد بن محمود الأستروشني، له كتاب "الفصول" في الفتاوى، وقال عبد القادر: الشروشني. والله أعلم. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢٧٩).
(٤) ينظر: عيون المسائل للسمرقندي الحنفي (ص: ١١٥)، المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٠٦).
(٥) الْإِقْرَار الِاعْتِرَاف يُقَال أقرّ يقر إِقْرَارا. انظر: (تحرير ألفاظ التنبيه ص ٣٤٢).