للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجه قول محمد -رحمه الله- أن هذا إطلاق بعوض، فيجب به العوض المسمّى ولا يسقط شيء من الحقوق الواجبة، كما لو كان بلفظ الطّلاق.

والدليل عليه أنّه لو كان لأحدهما على الآخر دين واجب بسبب أو عين في يده لا يسقط شيء من ذلك بالخلع والمبارأة.

فكذلك الحقوق الواجبة بالنكاح، والدّليل عليه أن نفقة عدتها لا تسقط وهي من الحقوق الواجبة بالنكاح فكذلك المهر، وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول المقصود بهذا العقد لا يتم إلا بإسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح، فلإتمام المقصود يتعدّى حكم هذا العقد إلى الحقوق الواجبة بالنكاح لكلّ واحد منهما وهذا لأنّ الخلع إنّما يكون عند النشوز، وسبب النشوز الوصلة التي بينهما بسبب قيام انقطاع المنازعة، والنشوز إنما يكون بإسقاط ما وجب باعتبار تلك الوصلة، وفي لفظها ما يدل عليه، فإن المبارأة مشتقّة من البراءة، والخلع من الخلع وهو الانتزاع.

وأمّا سائر الديون فوجوبها ما كان بسبب وصلة النكاح والنشوز والمنازعة لم يتحقق فيه؛ فلذلك لا يسقط، وأمّا نفقة العدّة فهي غير واجبة عند الخلع، وإنما تجب شيئاً فشيئاً والخلع والمبارأة إسقاط لما هو واجب بحكم النكاح في الحال.

وذكر قبيل هذا في «المبسوط» فإن كان الزوج اشترط عليها البراءة من النفقة والسكنى فهو بريء من النفقة؛ لأنّها أسقطت حقّها، ووجوب النفقة لها في العدّة باعتبار حالة الفرقة، حتّى إذا كانت ممّن لا يستحق النفقة عند ذلك لا يستحقّها من بعد فيصح إسقاطها، ولكن في ضمن الخلع تبعًا له، حتى لو أسقطت نفقتها بعد الخلع بإبراء الزوج عنها لا يصح ذلك؛ لأنها مقصودة بالإسقاط، فلا يكون إلا بعد وجوبها، وهي تجب شيئاً فشيئاً بحسب المدة، ولا يصح إبراؤها عن السكنى في الخلع؛ لأن خروجها من بيت الزوج معصية، قالوا: ولو أبرأته عن مؤنة السكنى بأن سكنت بيت نفسها، أو التزمت مؤنة السكنى من مالها، صحّ ذلك مشروطًا في الخلع؛ لأنّه خالص حقها (١).

(وَمَنْ خَلَعَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةً بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ) ذكره الإمام قاضي خان -رحمه

الله- (٢) (٣).


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٧٢).
(٢) حسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز، فخر الدين، المعروف بقاضي خان الأوزجندي الفرغاني فقيه حنفي، من كبار الحنفية، تفقه على أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي نصر الصفّاري، وظهير الدين أبي الحسن علي بن عبد العزيز المرغيناني، وغيرهما، من تصانيفه: (الفتاوى) و (الأمالي)، و (شرح الزيادات)، و (شرح الجامع الصغير)، توفي سنة ٥٩٢ هـ.
انظر: تاج التراجم (ص: ١٥١)، الأعلام للزركلي (٢/ ٢٢٤)، سير أعلام النبلاء (٢١/ ٢٣١).
(٣) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٤٦).