للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال فخر الإسلام: في «الجامع الصغير» (١): هذا الفصل من خصال [أهل] (٢) السنة والجماعة، وأن من لم يتوضأ من ذلك فمبتدع، ومذهبنا مذهب العشرة الذين بشروا بالجنة، وعلى ذلك المسلمون.

(غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ)

-قوله: (غير أن الخروج) هذا استثناء عن النكتة الأولى جوابًا لسؤال مقدر بأن قيل: ألحقتم الخارج من غير السبيلين بالخارج من السبيلين مع وجود المفارقة بينهما، من حيث أن القليل ناقض في السبيلين وغير ناقض في غير السبيلين، فكيف يصح الإلحاق به؟

فأجاب عنه وقال: «نعم كذلك، إلا أن القليل الظاهر في السبيلين موصوف بالخروج؛ لأن الخروج عبارة عن الانتقال عن محل باطن إلى محل ظاهر»، كذا في «الأسرار» (٣)، فلذلك استدل بالظهور على الخروج في السبيلين؛ لأن موضع الظهور في السبيلين ليس بمحل النجاسة، فبالظهور يعلم أنه قد انتقل من محله فيتحقق الخروج لوجود حده، وأما في غير السبيلين فلا يعلم الخروج بمجرد الظهور؛ فإن تحت كل جلدة رطوبة، فإذا تقشرت الجلدة ظهرت الرطوبة غير منتقلة من مكانها فلذلك لم يستدل بالظهور على الخروج، فلا تنتقض الطهارة ما لم يوجد السيَّلان الذي هو محقق للخروج.

وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لأنَّ بِزَوَالِ الْقِشْرَةِ تَظْهَرُ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا فَتَكُونُ بَادِيَةً لا خَارِجَةً، بِخِلافِ السَّبِيلَيْنِ لأنَّ ذَلِكَ الْوَضْعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الانْتِقَالِ وَالْخُرُوجِ، وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلا بِتَكَلُّفٍ لأنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا.

وَقَالَ زُفَرُ -رحِمَهُ الله-: قَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَكَذَا لا يُشْتَرَطُ السَّيَلانُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَلِإِطْلاقِ قَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «الْقَلْسُ حَدَثٌ».

-قوله: (وبملء الفم) معطوف على قوله: «بالسيلان»، أي: يتحقق الخروج بملء الفم في القيء.

وإنما اختلف الحكم في القيء بين ملء الفم، وبين ما دونه؛ لأن الفم تجاذب فيه دليلان: أحدهما يقتضي كونه ظاهرًا، والآخر يقتضي كونه باطنًا حقيقةً وحكمًا، أما الحقيقة فإنه إذا فتح فاه يظهر، وإذا ضمه يبطن.

وأما الحكم، فإن الصائم إذا أخذ الماء بفيه ثم مجه لا يفسد صومه، كما إذا سال الماء على ظاهر جلده فكان ظاهرًا، وإذا ابتلع ريقه لا يفسد صومه أيضًا، كما إذا انتقل من زاوية بطنه إلى الزاوية الأخرى فكان باطنًا فوفرنا على/ ٥/ أ/ الدليلين حكمهما، فقلنا: إذا كثر ينقض؛ لأنه يخرج غالبًا اعتبارًا بالظاهر، وإذا قل لا ينقض فيصير تبعًا للريق اعتبارًا بالباطن.


(١) شرح الجامع الصغير -مخطوط- لفخر الإسلام: علي بن محمد البزدوي (ت ٤٨٢ هـ).
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) الأسرار ص (١٣، ١٤).