للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المبسوط»: «القياس أن القيء ينبغي أن لا يكون حدثًا؛ لأن الحدث اسم لخارج نجس يخرج بقوة نفسه، والقيء مخرج لا خارج، فإن من طبع الأشياء السيالة أنها لا تسيل إلى فوق ألا بدافع دفعها أو جاذب جذبها كالدم الظاهر على رأس الجرح فمسحه بخرقة، ولكنا تركنا القياس بالآثار عند ملء الفم، فبقي ما دونه على أصل القياس، ولأن في القليل بلوى فإن من يملأ معدته من الطعام إذا ركع أو سجد في الصلاة يعلوه شيء إلى حلقه، فجعل القليل عفوًا، وحد ملء الفم أن [يفمّه] (١) إمساكه أو يمنعه من الكلام، وقيل: أن يزيد على نصف الفم» (٢).

وَلَنَا قَوْلُهُ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلا أَنْ يَكُونَ سَائِلاً» وَقَوْلُ عَلِيٍّ -رضِيَ الله عَنْه- حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً تَمْلا الْفَمَ.

وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ -رحِمَهُ الله- عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ -رحِمَهُ الله- عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ قَدْ بَيَّنَّاهُ.

وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلا الْفَمَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ -رحِمَهُ الله- يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ -رحِمَهُ الله- يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ، ثُمَّ مَا لا يَكُونُ حَدَثًا لا يَكُونُ نَجَسًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ -رحِمَهُ الله-

-قوله -عليه السلام-: («لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنَ الدَّمِ وُضُوءٌ إِلا أَنْ يَكُونَ دَمًا سَائِلا») (٣). القطرة والقطرتان عبارة عن قلة الدم الذي لم يوجد منه السّيلان، والدليل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا أنْ يَكُونَ سَائلاً» (٤)، فإن حال السيلان سابقة على حال القطر، فإنه إذا ازداد السيلان بازدياد الدم، واجتمع في موضع أو حصل له صلاحية ازدياد السيلان يحصل [القطر] (٥)، وإذا كان كذلك فلو كانت القطرة على حقيقتها لا يصح استثناء حالة السيلان منها؛ لأن استثناءه الشيء بمنزلة غايته، ولا يجوز تقدم الغاية على المغيّا؛ لأن الغاية تعقب المغيا أبدًا، فكذلك حالة [القطر] (٦) تعقب حالة السيلان على ما ذكرنا، فلا يجوز أن يتعقب حال السيلان حال القطر لذلك، وهذا كما إذا قال الرجل لامرأته وهي خارج الدار: إذا قعدت وسط الدار فلست بطالق إلا إذا دخلت تلك الدار أو أُدخلت فإنه لا يصح؛ لأن حال الدخول والإدخال سابقة على حال القعود، ولذلك لو قلت على وزانه: ليس في اللقمة واللقمتين من أكل الخبز اختيارًا قطع الصلاة إلا أن يكون المصلي أدخل في فمه لا يصح.


(١) في (ب): «يمنعه» وفي المبسوط: «يَعُمّه».
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (١/ ٧٥) باب الوضوء والغسل.
(٣) أخرجه الدارقطني في سننه (١/ ٢٨٧) باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف ثم قال: محمد بن الفضل بن عطية ضعيف، وسفيان بن زياد وحجاج بن نصير: ضعيفان. وقال عنه الألباني: (ضعيف جداً). سلسلة الأحاديث الضعيفة (٩/ ٣٧٦).
(٤) سبق تخريجه في الحديث السابق.
(٥) في (ب): «القطرة».
(٦) في (ب): «القطرة».