للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: جاز أن يكون المراد منه قطر الدم من رأس الجرح من غير أن يسيل إلى موضع يلحقه حكم التطهير.

قلت: هذا قولٌ خارق للإجماع فلا يصح؛ لأن كل من قال بانتقاض الطهارة بالسيلان قال بانتقاضها في هذه الصورة التي أوردت، فإن عندنا إذا ظهر الدم على رأس الجرح فمسحه على أن يسيل وهو بحال لو تركه سال فعليه الوضوء، وعند الخصم لا ينقض السيلان ولا القطر، وأما القائل بالانتقاض بالسيلان، وبعدم الانتقاض بالقطر فمعدوم، فكان المؤول بهذا التأويل قائلاً بقول لم يقل به أحدٌ من العلماء، فكان باطلاً، لدلالة إجماعهم على بطلانه.

-قوله: «أو دَسْعَةُ» (١) أي: دفعة من القيء وهي المرة من الدسع (٢) [نسحار برآدرون شتر] (٣) من حد منع، واذا تعارضت الأخبار يحمل لأن الأصل في الأدلة الإعمال دون الإهمال، وفي الحمل الإعمال، فكان الحمل واجبًا.

ثم دليل الحمل على ما ذكر، وهو حمل قيء النبي -عليه السلام- على ما دون ملء الفم؛ لما أن ملء الفم نتيجة كثرة الأكل، وكان رسول الله -عليه السلام- عن ذلك بمعزلٍ.

والفرق بين المسلكين أي: بين الفم والسبيلين أي: قدمنا وجه الفرق فيما ذكرنا في مسألة الدم من أن القليل غير ناقض في غير السبيلين، وفي السبيلين ناقض. فعند أبي يوسف: يعتبر اتحاد المجلس؛ لأن لاتحاد المجلس أثرًا في جمع المتفرقات، ولهذا تتحد الأقوال المتفرقة في النكاح والبيع وسائر العقود باتحاد المجلس، وكذلك التلاوات المتعددة لآية السجدة بتعدد المجلس، وتتحد باتحاده وعند محمد: الاعتبار لاتحاد السبب؛ لأن الحكم يثبت على حسب ثبوت السبب من الصحة والفساد، فكذلك لاتحاد السبب أثر أيضًا في اتحاد الحكم، حتى إن الإنسان إذا جرح آخر جراحاتٍ، ومات منها قبل [تحلل] (٤) البر يتحد الموجب، ومتى تخلل البر يختلف الموجب.

وكذلك لو اشترى عبدًا وقبضه فحم (٥) عنده وقد كان يحم عند البائع ولم يعلم به المشتري أنه إن حم عند المشتري في الوقت الذي كان يحم عند البائع كان له أن يرد، وإن حم عند المشتري في غير ذلك الوقت ليس له أن يرد، وكذلك لو غصب جاريةً محمومةً فزالت حماها ثم حمت فردها إن قال أهل الطب: إن الثاني عين الأول لقيام السبب الداعي إليه لم يضمن، وإن قالوا غير الأول ضمن النقصان.


(١) في (ب): «تعدي».
(٢) طلبة الطلبة ص (٨)، مختار الصحاح (١/ ٤٠)، المغرب (١/ ١٦٤).
(٣) كلام فارسي وفي (ب): «فشخور بوادرون شيوخ» أي: دفعة من القيء. انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.
(٤) في (ب): «تخلل».
(٥) معنى «فحم» من الحمى وهو المرض ويتضح ذلك من خلال كلام المصنف:.