للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن خلعها على ألف على أنّه ضامن فالخلع واقع، أي جائز.

فإن قيل: الضمان عبارة عن تحمل ما على الأصيل وبدل الخلع هنا غير واجب على غيره بالإجماع، فكيف يصح الضمان منه؟ قلنا المراد من الضّمان هنا التزام المال لا التحمل بطريق التجوّز، كذا في فوائد الظهيرية (١).

وذكر الإمام قاضي خان ولم يرد بهذا الضّمان الكفالة (٢) عن الصغيرة؛ لأنّ الزّوج لا يستحق مالاً على الصغيرة، فلا يكون كفالة، لكن تفسير الضمان التزام الألف ابتداء لا بجهة الكفالة (٣).

لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى، فوجه الأولوية ظاهر وهو أن للأب ولاية التصرف في مال ولده الصغير بيعًا وشرى وإجارة وإبضاعاً (٤) وإيداعاً (٥)، ولا تجوز هذه التصرفات من الأجنبي، ثم اشتراط بدل الخلع على نفسه تصرّف من التصرفات، فلما جاز ذلك من الأجنبي مع أنّه ليس ولاية عامة التصرفات في مال الصغير فلأن يجوز من الأب وله ذلك أولى.

فإن قلت: ما الفرق بين هذا ما إذا أعتق عبده على مال على الأجنبي حيث لا يصحّ، ويعتق العبد مجانًا، وكذا لو تزوّج وشرط المهر على غيره لا يصحّ، وكذا إذا باع شيئاً وشرط الثمن على غير المشتري لا يصحّ، وهنا اشتراط بدل الخلع على الأجنبي أو على الأب جائز؟.

قلت: إنّما جاز ضمان الأجنبي أو الأب ههنا؛ لأن الأجنبي أو الأب في معنى المرأة في باب الخلع، لما أنّ المرأة لا تملك بالخلع شيئاً، بل يسقط ملك الزوج، وجاز أخذ المال منها إذا رضيت بوجوب المال، فكذلك يجوز أخذ المال من الأجنبي إذا رضي بوجوب المال.

بخلاف العتق فإنّ الأجنبي هناك ليس في معنى العبد في حق التزام المال، فإنّ العبد يحصل له الحرية (٦) والعتق، الذي هو عبارة عن القوة، يقال: عتق الفرخ إذا قوي وطار عن وكره (٧)، والقوة معنى يثبت فيه بالعتق ولا يحصل للأجنبي شيء، فلم يكن الأجنبي في معنى العبد؛ فلذلك لم يجز أن تثبت القوة في العبد وعوضه مستحق على غيره، وكذلك في البيع والنكاح.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ٦٠)، العناية شرح الهداية (٣/ ٣٥٦).
(٢) الكفيل: الضامن، والكفالة ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة، ويقال للمرأة: كفيل أيضاً. ينظر: (المغرب ص: ٤١٣).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٧٤).
(٤) الإبضاع: هو بعث المال مع من يتجر به تبرعًا، والربح كله لرب المال. ينظر: (المغني لابن قدامة ٥/ ٢٤)، (الشرح الكبير على متن المقنع ٥/ ١٤٣)، (شرح الزركشي على مختصر الخرقي ٤/ ١٣٢).
(٥) الإيداع هو تسليط الغير على حفظ ماله. (كنز الدقائق ص: ٥٣١)
(٦) الحُرِّيةُ: أَلا يكون تَحت رق الْمَخْلُوقَات، وَلَا يجْرِي عَلَيْهِ سُلْطَان المكونات. ينظر: (معجم مقاليد العلوم ص ٢٢٠).
(٧) وَكْرُ الطَّائِرِ: عُشُّه. ينظر: (لسان العرب ٥/ ٢٩٢).