للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في «المبسوط»: اعلم أنّ الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فقرّر الشرع أصله ونقل [حكمه] (١) إلى تحريم مؤقت بالكفارة من غير أن يكون مزيلاً للملك بيانه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (٢) الآية، وسبب نزول الآية قصّة خولة بنت ثعلبة (٣)، فإنّها قالت: كنت تحت أوس بن الصامت (٤)، وقد ساء خلقه لكبر سنّه فراجعته في بعض ما أمرني به، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه، ثم رجع إليّ فراودني عن نفسي، فقلت: والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يقضي الله ورسوله في ذلك، فوقع عليّ فدفعته بما تدفع به المرأة الشيخ الكبير، وخرجت إلى بعض جيرتي فأخذت ثياباً ولبستها، وأتيت رسول الله -عليه السلام-، فأخبرته بذلك، فجعل يقول لي: زوجك وابن عمك وقد كبر فأحسني إليه، فجعلت أشكو إلى الله ما أرى من سوء خلقه، فتغشّى رسول الله ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، فلما سُرّى عنه قال: أنزل الله فيك وفي زوجك بياناً، وتلا قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (٥) إلى آخر آيات الظهار، ثم قال لها: «مريه فليعتق رقبة»، فقلت: لا يجد ذلك يا رسول الله، فقال: «مريه أن يصوم شهرين متتابعين»، فقلت: هو شيخ كبير لا يطيق الصّوم، فقال: «مريه فليطعم ستين مسكينًا»، فقلت: ما عنده شيء يا رسول الله فقال: «إنا سنعينه بعرق (٦) فقلت: وأنا أعينه بعرق أيضاً فقال: «افعلي واستوصي به خيراً» (٧) (٨).


(١) في (أ): حله.
(٢) سورة المجادلة (الآية/ ٣).
(٣) خولة بنت ثعلبة. وقيل: خويلة. والأول أكثر. وقيل: خولة بنت حكيم. وقيل: خولة بنت مالك بن ثعلبة بْن أصرم بْن فهر بْن ثعلبة بْن غنم بن عوف. ينظر: أسد الغابة (٦/ ٩١).
(٤) أوس بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم بْن فهر بْن ثعلبة بن غنم، وهو قوقل ابن عوف بْن عمرو بْن عوف بْن الخزرج الأنصاري الخزرجي أخو عبادة بْن الصامت. شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي ظاهر من امرأته ووطئها قبل أن يكفر، وسكن هو وشداد بْن أوس الأنصاري البيت المقدس، وتوفي بالرملة من أرض فلسطين سنة أربع وثلاثين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. ينظر: أسد الغابة (١/ ١٧٢).
(٥) سورة المجادلة (الآية/ ١).
(٦) العرق: هو مكتل من خوص النخل يسع خمسة عشر صاعا، والصاع أربعة أمداد، فهي ستون مدا. ينظر: (حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي ٢/ ٩١).
(٧) روى القصة أبوداود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الظهار، (٢٢١٤)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الظهار، باب ذكر وصف الحكم للمظاهر من امرأته وما يلزمه عند ذلك من الكفارة، (٤٢٧٩)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الظهار، باب سبب نزول آية الظهار، (١٥٢٤٣)، وروى القصة مختصرة الحاكم في المستدرك على الصحيحين، تفسير سورة المجادلة برقم (٣٧٩١)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" (٢/ ٥٢٣).
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٤).