للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[قوله] (١) تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} (٢) يحتمل أن يراد يعودون لنقضه [أو] (٣) لتداركه على حذف المضاف.

وعن ثعلب يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف -أيضاً- إلا أنّه نزل القول منزلة المقول فيه، وهو المظاهر منها، كما في قوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} (٤) كذا في «المغرب» (٥) المهملة العين.

وقال علمائنا -رحمهم الله-: المراد من العود هو العزم على الجماع (٦)، الذي هو إمساك بالمعروف (٧).

وقال الشافعي -رحمه الله-: المراد هو السكوت عن طلاقها عقيب الظهار (٨).

وقال داود (٩): المراد تكرار الظهار حتّى أن على مذهبه لا يلزمه الكفارة بالظهار مرة حتى يعيده مرة أخرى، وهذا ضعيف؛ لأنّه لو كان المراد هذا لكان يقول: ثم يعيدون ما قالوا، ولكن معنى قوله: يعودون له؛ أي ينقضون ما قالوا، كقول عاد لما صنع أي نقضه، ويقال: عاد في هبته إذا رجع وحروف [الصلات] (١٠) يُقام بعضها مقام بعض.

والشافعي يقول: كما سكت عن طلاقها عقيب الظهار، فقد صار ممسكًا لها فيتقرّر عليه الكفارة (١١).

ولكنّا نقول: المراد بقوله: ثم يعودون لما قالوا، أن يأتي بضدّ موجب كلامه وموجب كلامه التحريم لا إزالة الملك، فاستدامة الملك لا يكون ضدّه، بل ضدّه العزم على الجماع الذي هو استحلال، وبمجرّد العزم عندنا لا يتقرّر عليه الكفارة -أيضاً- حتى لو أبانها بعد هذا أو ماتت لا يلزمه الكفارة، ولو عاد ثم بدا له أن لا يطأها سقطت الكفارة، فكأنها تجب عندنا بالعود غير مستقرة ولهذا يسقط بموته [وموتها] (١٢)؛ لأنّ الكفارة تجب بالعزم، والعزم يرد عليه النقض والفسخ ثم الكفّارة تجب بالظهار والعود فإنّ الله تعالى عطف العود على الظهار في بيان سبب الكفّارة، والمعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه.


(١) في (أ): قال.
(٢) سورة المجادلة (الآية/ ٣).
(٣) في (أ): و.
(٤) سورة مريم (الآية/ ٨٠).
(٥) ينظر: المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٣٣١).
(٦) يطلق الوطء على الجماع الذي هو إيلاج ذكر في فرج، ليصيرا بذلك كالشيء الواحد. فيقال: وطئ زوجته وطأ، أي جامعها. ينظر: (المغرب ص: ٤٨٩).
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٤٧)
(٨) ينظر: كفاية النبيه في شرح التنبيه (١٤/ ٢٧٦).
(٩) داود بن علي بن خلف الأصفهاني: ولد سنة اثنتين ومائتين ومات سنة سبعين ومائتين وأخذ العلم عن إسحاق ابن راهويه وأبي ثور وكان زاهداً متقللاً. وكان من المتعصبين للشافعي وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وأصله من أصفهان ومولده بالكوفة، ومنشؤه ببغداد، وقبره بها. ينظر: طبقات الفقهاء (ص: ٩٢).
(١٠) في (أ): للصلات.
(١١) ينظر: الحاوي الكبير (١٠/ ٤٤٩).
(١٢) سقطت من (أ).