للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مالك (١) -رحمه الله-: لا يمنع، بل له أن يجامعها قبل التكفير؛ لأنّه ليس في التكفير بالإطعام شرط التقديم على المسيس في النصّ، ولا مدخل للقياس في هذا الباب، ولكنّا نستدلّ بقوله -عليه السلام-: «استغفر الله ولا تعد حتى تكفر» (٢) من غير تفصيل، ولأن من الجائز أن يقدر على الإعتاق والصيام فيصير كفارته بذلك.

فحينئذ يكون مسّه قبل التكفير وهو حرام.

وَالْمَنْعُ، أي المنع من المسيس قبل الإطعام.

لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، أي في غير المسيس، وهو توهم القدرة على الإعتاق أو الصيام.

ومثل هذا المنع في المشروع لا يمنع مشروعية ذلك المشروع، كالنهي عن صوم [يوم الفطر أو] (٣) يوم النحر والصلاة في الأوقات المكروهة؛ لما كان لمعنى الإعراض عن ضيافة الله، ومعنى وقوع الصّلاة في أوقات نسبت إلى الشيطان لم ينف مشروعية الصّوم والصّلاة في أنفسهما، فكذلك ههنا لما كان النهي لمعنى في غير المسيس كان المسيس مشروعًا في نفسه في فصل الإطعام سواء كان قبل الإطعام أو بعده نظراً إلى الإطلاق في النصّ.

(وَإِذَا أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ)، أي في امرأة واحدة أو امرأتين ولهما أنّ النية في الجنس الواحد لغو (٤) وفي الجنس معتبرة إلى آخره.

وطرديتهما (٥) هي أنّه زاد في الوظيفة ونقص عن المحل، فلا يجزيه إلا بقدر المحل، كما لو أعطى ثلاثين مسكينًا في كفارة واحدة كلّ مسكين صاعًا، وبيان ذلك الواجب عليه في كلّ كفارة إطعام ستين مسكينًا، فمحلّ إطعام الظهارين مائة وعشرون مسكينًا، وقد نقص عن المحلّ وزاد في الواجب؛ لأنّ الواجب لكلّ مسكين نصف صاع، وقد أدّى صاعًا، وحقيقة المعنى فيه أنّ في الجنس الواحد كما لا يعتبر نيته في العدد ونيته عن ظهارين وعن ظهار واحد سواء.


(١) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة، سأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف "الموطأ"، روى مالك عن غير واحد من التابعين، وحدث عنه خلق من الأئمة، منهم السفيانان، وشعبة، وابن المبارك، والأوزاعي، وابن مهدي وابن جريح والليث والشافعي والزهري شيخه، ويحيى بن سعيد الأنصاري وهو شيخه، قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، توفي سنة ١٧٩ هـ.
انظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (١/ ٨٢)، البداية والنهاية (١٠/ ١٧٤)، وفيات الأعيان (٤/ ١٣٥)، سير أعلام النبلاء (٨/ ٤٨).
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الظهار، ٢ (٢٢١)، و أخرجه الترمذي في سننه، أبو الطلاق واللعان، باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر، (١١٩٩)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، (٢/ ٤٩٤).
(٣) سقطة من (ب).
(٤) اللغو: الباطل من الكلام، ومنه اللغو في الأيمان لما لا يعقد عليه القلب. ينظر: (المغرب ص: ٤٢٥).
(٥) الْعلَّة الطردية: فَهِيَ الْوَصْف الَّذِي اعْتبر فِيهِ دوران الحكم مَعَه وجودا فَقَط عِنْد الْبَعْض ووجودا وعدما عِنْد الْبَعْض من غير نظر إِلَى ثُبُوت أَثَره فِي مَوضِع بِنَصّ أَو إِجْمَاع. ينظر: (دستور العلماء ٢/ ٢٦٥).