للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو قذف العبد امرأته وهي مملوكة أو مكاتبة، فلا حدّ عليه ولا لعان، وهذه المسألة غير نظير ما إذا كان الزّوجان محدودين في قذف؛ لأنّ المانع للعان كما هو من جانبه، فكذلك من جانبها ثم وجب حدّ القذف في المحدودين، ولم يجب على العبد إذا قذف امرأته وهي أمة.

قلت: فإذا كان كذلك يعتبر الزوجان بالأجنبيين فأينما كان في الأجنبي حدّ القذف هنا -أيضاً- حدّ القذف؛ لامتناع اللعان لعدم أهلية الشّهادة، وأينما كان في الأجنبي لا يجب الحدّ هنا أيضاً لا يجب.

ثم أنّ الأجنبي لو قذف أمة غيره لم يجب حدّ القذف.

فكذلك ههنا لا يجب الحدّ على الزّوج ولكن يعزّر أسواطاً (١)، كما في الأجنبي والمحدود في القذف إذا قذف محدودًا في القذف ولكن هو محصن إحصان القذف يجب حدّ القذف فكذلك ههنا.

وروى الحسن عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنّه يأتي بلفظ المواجهة، فلابدّ من أن يقول: إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا، وهي تقول: أنت من الكاذبين فيما رميتني به من الزنا (٢).

(وَإِذَا الْتَعَنَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ) بينهما، حتّى لو مات أحدهما بعد الفراغ من اللعان وقبل التفريق توارثا (٣)؛ لأنّ الفرقة عندنا لا تقع إلا بقضاء القاضي.

"وَقَالَ زُفَرُ-رحمه الله-: تَقَعُ بِتَلَاعُنِهِمَا"، وقال الشافعي -رحمه الله-: تقع الفرقة بنفس لعان الزوج (٤)، فالشافعي -رحمه الله- يقول: سبب هذه الفرقة قول من الزوج مختصّ بالنكاح الصّحيح فيتم به، كالطّلاق.

وزفر يستدل بقوله -عليه السلام-: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا» (٥) فنفي الاجتماع بعد التلاعن تنصيص على وقوع الفرقة بينهما، ولكنّا نستدلّ بحديث العجلاني (٦) فإنّه أوقع الثلاث عليها بعد التلاعن، ولم ينكر عليه رسول الله -عليه السلام- ولو وقعت الفرقة بينهما لأنكر رسول الله -عليه السلام-[عليه] (٧)، فإن قيل: قد أنكر عليه بقوله: اذهب فلا سبيل لك عليها.


(١) السَوْطُ: الذي يُضرَب به، والجمع أسواط وسياط. ينظر: (الصحاح ٣/ ١١٣٥).
(٢) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ٢٣٧).
(٣) الإِرْثُ، بالكسرِ: الميراثُ، والأَصْلُ، والأَمْرُ القديمُ تَوَارثَه الآخِرُ عن الأَوَّلِ، والرَّمادُ، والبَقِيةُ من كلِّ شيء. ينظر: القاموس المحيط (ص: ١٦٤).
والإرث اصطلاحاً: انْتِقَالُ مَالِ الْغَيْرِ إِلَى الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ. ينظر: الاختيار لتعليل المختار (٥/ ٨٥).
(٤) ينظر: الأم للشافعي (٥/ ٦٠).
(٥) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في اللعان، (٢٢٥٠)، والدارقطني في سننه، كتاب النكاح، باب المهر، (٣٧٠٦)، وقال ابن حجر في الدراية: "من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ: المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً، وإسناده لا بأس به"، ينظر: الدراية (٢/ ٧٦).
(٦) قصة عويمر العجلاني أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب من أجاز طلاق الثلاث (٥٢٥٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها (١٤٩٢).
(٧) سقطت من (أ).