للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: ذلك منصرف إلى طلبه ردّ المهر، فإنّه روى أنّه قال: إن كنت صادقًا فهو [لها] (١) بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذباً فابعد اذهب فلا سبيل لك عليها؛ وهذا لأنّ مجرّد اللعان غير موضوع للفرقة، ولا هو منافٍ للنكاح إلا أنّ الفرقة بينهما لقطع المنازعة، بخلاف الطّلاق.

وأمّا قوله -عليه السلام-: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا»، فحقيقة هذا اللفظ حال تشاغلهما باللعان كالمتقاتلين والمتضاربين، وزفر -رحمه الله- يوافقنا أنّ في حال تشاغلهما باللعان لا تقع الفرقة بينهما، كذا في «المبسوط» (٢).

(وَهُوَ خَاطِبٌ (٣) هذه مسألة مبتدأة، أي: هذا الرجل بعد إكذاب نفسه في القذف صار خاطباً من الخطاب، أي يجوز له أن يتزوّجها، كما لغيره يجوز أن يتزوّجها، فعليه الحدّ بإكذابه نفسه على ما يجيء، ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب، فيجتمعان؛ لأنّه إذا أكذب نفسه يقام عليه الحدّ لإقراره على نفسه بالتزام الحدّ، ومن ضرورة إقامة الحدّ عليه بطلان الحدّ عليه، ولا ينفي أصلاً للعان بعد إقامة الحدّ.

وذكر في الإيضاح وقوله: "المتلاعنان لا يجتمعان"، فمعناه ما داما متلاعنين، كقوله لا نكلّم هذا الكافر أبدًا، أي: ما دام كافراً، وإنّما يكونان متلاعنين حقيقة بإقدامهما على اللعان، أو مجازاً باعتبار بقاء حكم اللعان، فإذا ارتفع حكم اللعان لم يتناوله الخبر، وكذلك إذا أكذبت المرأة نفسها بأن أقرّت بالزنا، فقد خرجت من أن تكون أهلاً للعان (٤).

وكذلك لو قذفت رجلاً فأقيم عليها الحدّ فعرفنا أن حلّ المناكحة بينهما بعدما بطل حكم اللعان فلا يكون في هذا إثبات الاجتماع بين المتلاعنين.

وإذا أنكر الزّوج القذف، فأقامت المرأة البينة عليه وجب اللعان بينهما؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم، ثم قال ابن أبي ليلى (٥): إنكاره بمنزلة إكذاب نفسه فيحدّ


(١) سقطت من (أ).
(٢) المبسوط للسرخسي (٧/ ٤٣).
(٣) خَطَبَ الْمَرْأَةَ إلَى الْقَوْمِ إذَا طَلَبَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ. ينظر: (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ١/ ١٧٣).
(٤) ينظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: ٢٤١).
(٥) محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي: قاض، فقيه، من أصحاب الرأي. ولي القضاء والحكم بالكوفة لبني أمية، ثم لبني العباس. واستمر ٣٣ سنة، له أخبار مع الإمام أبي حنيفة وغيره. مات بالكوفة سنة ١٤٨ هـ.
انظر: الوافي بالوفيات (٣/ ١٨٥)، وفيات الأعيان (٤/ ١٧٩).