للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمّا اللعان فإنّ المقصود باللعان التفريق بينهما، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة، فلا معنى للعان بعد فوات المقصود، ولا حدّ عليه؛ لأنّ قذفه كان موجباً للعان والقذف الواحد لا يوجب الحدّين.

بخلاف ما لو أكذب نفسه بعدما لاعنها؛ لأنّ وجوب اللّعان هناك بأصل القذف، والحدّ بكلمات اللعان فقد نسبها فيها إلى الزنا وانتزع معنى الشهادة منها بإكذابه نفسه، فيكون هذا نظير شهود الزنى إذا رجعوا، وأمّا فيما قلنا فلم توجد كلمات اللّعان فلهذا لا يحدّ وإن أكذب نفسه.

ولو قال: أنت طالق ثلاثاً يا زانية، كان عليه الحدّ؛ لأنّها بانت بالتطليقات الثلاث، وإنّما قذفها بالزنى بعد البينونة، فعليه الحدّ، ولو قال: يا زانية أنت طالق ثلاثاً لم يلزمه حدّ ولا لعان؛ لأنّه قذفها وهي منكوحته، ثم أبانها بالتطليقات، وقد بيّنا أنّه بعدما قذفها إذا أبانها لم يلزمه حدّ ولا لعان، كذا في «المبسوط» (١).

(وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ بِهِ)، أي: له أن يتزوّجها.

"لِمَا بَيَّنَّا"، وهو قوله: "لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ".

(وَكَذَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ)، أي: كان له أن يتزوّجها.

فإن قلت: لما جرى اللعان بينهما عُلم أنهما زوجان على صفة الإحصان، والمرأة أو الرجل إذا زنيا بعد إحصانهما يرجمان، فحينئذٍ كان قوله: فحدّت، معناه رجمت فبعد ذلك كيف يبقى محلاً للتزوج؟ قلت: لا بل معنى قوله: حدّت، أي: جُلدت بدليل تصوير التزوّج عليها.

وأمّا صورته فبأن تلاعنا بعد التزوّج قبل الدخول، ثم زنت بعد اللّعان، فكان حدّها الجلد دون الرجم؛ لأنّها ليست بمحصنة؛ لأنّ من شرائط إحصان الرجم هو الدّخول بعد النكاح الصّحيح، ولم يوجد، وفيه خلاف الشافعي -رحمه الله-، فعند الشّافعي يجب الحدّ واللّعان؛ لأنّ إشارة الأخرس (٢) كعبارة النّاطق (٣).

ولكنا نقول: لابدّ من التصريح بلفظ الزنا، ليكون قذفاً موجباً للحد أو اللّعان، ولا يتأتى هذا التصريح بإشارة الأخرس، فإن إشارته دون عبارة النّاطق بالكتابة؛ ولأنّه لابدّ من لفظ الشّهادة في اللّعان حتّى أنّ النّاطق لو قال: أحلف، مكان قوله: أشهد، لا يكون صحيحًا، وبعض أصحاب الشافعي يرتكبون هذا.


(١) المبسوط للسرخسي (٧/ ٤٩).
(٢) الأخرس من الناس: من كان فيه خرس فانعقد لسانه عن الكلام. ينظر: (معجم لغة الفقهاء ص ٥٠).
(٣) ينظر: الحاوي الكبير (١١/ ٢٣)، كفاية النبيه في شرح التنبيه (١٤/ ٣٥٢).