للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكنّه مخالف للنصّ، فإذاً ثبت أنّه لابدّ من لفظ الشّهادة، وذلك لا يتحقّق بإشارة الأخرس.

وكذلك إن كانت هي خرساء، ولأن قذف الخرساء لا يوجب الحدّ على الأجنبي، لجواز أنّ تصدّقه لو كانت تنطق، ولا تقدر على إظهار هذا التصديق بإشارتها، وإقامة الحدّ مع الشبهة لا يجوز، كذا في «المبسوط» (١).

"لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِقِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَهُ"، أي: عند القذف فكان هذا ونفيه بعد الولادة سواء، فيتحقّق بالقذف في الصورتين، والقذف لا يصحّ تعليقه بالشرط وبه فارق الوصية (٢) والميراث حيث يقيسان عليهما.

فإنا نقول: إنّما يصح فيهما الإضافة، فإنّ الوصية والميراث يمكن إثباتهما على سبيل التوقف أو الإضافة إلى ما بعد الانفصال.

بخلاف تعليق القذف؛ لأن القذف ممّا لا يختلف به، فلمّا يتعلّق بالشّرط والتّعليق بالشرط يمنع تحقّق نسبتها إلى الزنا في الحال، ومثله لا يصحّ في القذف؛ لأنّ من لا تكون زانية قبل دخول الدّار لا تصير زانية بدخول الدّار، ولأنّ القذف إخبار عمّا كان قبله، والإخبار لا يصح، أمّا إن كان عن أمر موجود أو معدوم، والزنا لو كان موجودًا منها لا يصحّ تعليقه بالشّرط؛ لأنّ التّعليق إنما يكون في المعدوم.

ولا يقال: أنّ التعليق بأمر كائن يتخير فيكون قاذفاً في الحال، فلم لا يكون ههنا قاذفاً في الحال بهذا الطّريق؟.

قلت: لا يمكن ذلك؛ لأنّ في ذلك سعياً في إيجاب الحدّ مع إلغاء حقيقة الشّرط، والسّعي في الحدود في درئها لا في إيجابها، ولو كان معدومًا لا يصير قذفاً باعتبار وجود الشّرط.

قوله -رحمه الله-: "وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ"، هذا جواب عن حرف الشافعي، وذكر في «المبسوط» تنوع مخالفة لهذه الرواية، وقال: وإذا نفى الرجل حبل امرأته، فقال: هو من زنا، فلا لعان بينهما، ولا حدّ قبل الوضع في قول علمائنا (٣).

وقال الشّافعي -رحمه الله- (٤): يلاعنها لحديث هلال بن أمية، فإنّه قذف امرأته بنفي الحمل، وقد لاعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-


(١) المبسوط للسرخسي (٧/ ٤٢).
(٢) الْوَصِيَّة هِيَ من الشَّيْء وصيت أصيه إِذا وصلته، وَسميت وَصِيَّة لِأَنَّهُ وصل مَا كَانَ فِي حَيَاته بِمَا بعده يُقَال وصّى وَأوصى أَيْضًا وَالِاسْم الْوَصِيَّة والوصاة. ينظر: (تحرير ألفاظ التنبيه ص ٢٤٠ - ٢٤١).
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٤٤).
(٤) ينظر: الحاوي الكبير (١١/ ٧).