للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولأنّ الحُبْلَ (١) يُعرف وجوده بالظّاهر، ويتعلّق به أحكام شرعًا، نحو الردّ بالعيب والميراث والوصيّة به وله، فكذلك يثبت حكم اللعان بنفيه، وحجّتنا ما قال في الكتاب: أنّ نفي الحبل ليس بشيء؛ لأنّه لا يدري لعلّة ريح، واللّعان في قذف الزّوج زوجته بمنزلة الحدّ في قذف الأجنبية، فلا يجوز إقامته مقام الشبهة، بخلاف حكم الردّ بالعيب فإنّه يثبت مع الشبهات والإرث والوصية يتوقف على انفصال الولد ولا يتقرّر في الحال.

فأمّا الحديث فمن أصحابنا من يقول: أنّه قذفها بالزنا نصًّا، فإنّه قال: وجدت شريك ابن سحماء على بطنها يزني بها، ثم نفى الحبل بعد ذلك، وعندنا إذا قذفها بالزّنا نصًّا، يلاعنها على أنّ النبي -عليه السلام- عرف من طريق الوحي أنها حبلى حين قال: إن جاءت به أحيمر على نعت كذا، فهو لهلال وإن جاءت به أسود جعدًا جُماليًّا (٢) فهو لشريك فجاءت به على النعت المكروه، فقال -عليه السلام-: «لولا الأيمان التي سبقت لكان لي ولها شأن» (٣)، ومثل هذا لا يُعرف إلا بطريق الوحي، ولا يتحقّق مثله في زماننا، أو في الحال التي تقبل التهنية يقبل على البناء للمفعول لا الفاعل؛ لأنّه لو قبل الأب التهنئة ثم نفى لا يصحّ نفيه في مدّة النفاس، أي: إذا كان حاضراً أوله أنّه لا معنى للتقدير، فإنّه يقول: إذا لم يكن الولد منه لا يحلّ له أن يسكت عن نفيه بعد الولادة، فيكون سكوته عن النّفي دليل القبول، وكذلك تهنّا بالولد عند الولادة فقبوله التهنئة إقرار منه أنّ الولد منه.

وكذلك شرى ما يحتاج إليه لإصلاح الولد عادة وبعد وجود دليل القبول ليس له أن ينفيه، فكان القياس أن لا يصحّ نعته إلا على فور الولادة، وبه أخذ الشّافعي -رحمه

الله- (٤)، ولكن استحسن أبو حنيفة -رحمه الله- فقال: له أن ينفيه بعد [ذلك] (٥) يوم أو يومين (٦).


(١) الْحُبَل: الْحَمْل. ينظر: (الدر المختار ص: ٢٠٥)، (المبسوط للشيباني ٢/ ٣١٦).
(٢) الْجَعْد فِي صفة الرِّجَال يكون مدحا وَيكون ذما فللمدح مَعْنيانِ أَحدهمَا أَن يكون معصوب الْخلق شَدِيد الْأسر وَالثَّانِي أَن يكون شعره جَعدًا غير سبط لِأَن السبوطة أَكْثَرهَا فِي الْعَجم وللمذموم مَعْنيانِ أَحدهمَا الْقصير المتردد وَالْآخر الْبَخِيل. ينظر: (مشارق الأنوار على صحاح الآثار ١/ ١٥٨).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، باب ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، (٤٧٤٧).
(٤) ينظر: نهاية المطلب في دراية المذهب (١٥/ ١٣١).
(٥) سقطت من (أ).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٥٢).