للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسبب وجوب العدة بالحيض عليها متقرّر حقيقة، فألزمناها الجمع بينهما.

ولو قُتل على ردته جعل هذا في «المبسوط» من تتمة دليل أبي يوسف، فقال: ألا ترى أنّ المرتد إذا مات أو قتل على ردّته ترثه زوجته المسلمة، وليس عليها عدّة الوفاة؛ لأنّ زوال النكاح كان بردّته لا بموته (١).

فكذلك زوال النكاح هنا كان بالطّلاق البائن لا بالموت وقالا عن مسألة المرتد فقد أشار الكرخي (٢) في كتابه إلى أنّه يلزمها عدّة الوفاة (٣)، ولئن سلّمنا فنقول: هناك ما استحقّت الميراث بالوفاة؛ لأنّ عند الموت هي مسلمة، والمسلمة لا ترث الكافر، وذلك يستند استحقاق الميراث إلى وقت الردة، وبذلك السّبب لزمها العدّة بالحيض، فلا يلزمها عدّة الوفاة، وههنا استحقاق الميراث عند الموت لا عند الطّلاق، فعرفنا أنّ النكاح كالقائم بينهما إلى وقت الموت حكمًا.

لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ (٤) هُوَ الصَّحِيحُ، هذا احتراز عن قول محمّد بن مقاتل الرازي (٥)، فإنّه كان يقول: هذا إذا لم يحكم بإياسها (٦)، فأمّا إذا انقطع عنها الدّم زماناً حتّى حكم بإياسها، وكانت ابنة تسعين سنة أو نحو ذلك فرأت الدّم بعد ذلك لم يكن حيضاً.

وكان محمّد بن إبراهيم الميداني (٧) -رحمه الله- يقول: إن رأت دمًا سائلاً كما تراه في زمان حيضها فهو حيض، وإن رأت بلة يسيرة لم يكن حيضًا، بل ذلك من نتن الرحم فكان فاسدًا لا يتعلّق به حكم الحيض، كذا في حيض «المبسوط» (٨).


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٤).
(٢) عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دَلْهَم، أبو الحسن الكرخي فقيه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق. مولده في الكرخ ووفاته ببغداد، له "رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية" و "شرح الجامع الصغير" و "شرح الجامع الكبير"، توفي سنة ٣٤٠ هـ. ينظر: تاج التراجم (ص: ٢٠٠)، الأعلام للزركلي (٤/ ١٩٣)
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٤).
(٤) يُقَالُ يَئِسَتْ الْمَرْأَةُ إذَا عَقِمَتْ فَهِيَ يَائِسٌ. ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٦٨٣).
(٥) مُحَمَّد بن مقَاتل الرَّازِيّ قَاضِي الرّيّ من أَصْحَاب مُحَمَّد بن الْحسن من طبقَة سُلَيْمَان بن شُعَيْب وَعلي بن معبد روى عَن أبي الْمُطِيع قَالَ الذَّهَبِيّ وَحدث عَن وَكِيع وطبقته، مات سنة ٢٤٨ هـ. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٣٤)، ميزان الاعتدال (٤/ ٤٧)، لسان الميزان (٥/ ٣٨٨).
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣١٧)
(٧) محَمَّد بن إِبْرَاهِيم الضَّرِير الميداني أَبُو بكر قَالَ الذَّهَبِيّ من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة حدث عَن أبي مُحَمَّد الْمُزنِيّ وَعنهُ مَيْمُون بن عَليّ الْمَيْمُونِيّ وَله مناظرات مَعَ أبي أَحْمد نصر العياضي أخي أبي بكر العياضي. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٦).
(٨) المبسوط للسرخسي (٣/ ١٥٠).