للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي «الذخيرة» (١) رجل تزوّج منكوحة الغير ولا يعلم أنّها منكوحة الغير ودخل بها تجب العدّة، وإن كان يعلم أنّها منكوحة الغير لا تجب العدّة بالدخول [حتى] (٢) لا يحرم على الزوج وطئها وبه يفتي.

وأمّا الموطوءة بشبهة فهي التي زفّت إلى غير زوجها فوطئها، تجب عليها العدّة وعلى الواطئ المهر على ما يجيء في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى.

وقال الشّافعي -رحمه الله-: حيضة واحدة (٣)، فمذهبه مرويّ عن ابن عمر -رضي الله عنه- (٤)، ومذهبنا مرويّ عن عمر وعليّ وابن مسعود رضي الله عنهم (٥).

ويستوي إن أعتقها أو مات عنها إلا على قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فإنّه كان يقول: "لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدّة أمّ الولد إذا مات عنها سيدها أربعة أشهر وعشر" (٦)، وهذا دليلنا فإنه ألزمها عدّة الحرائر، إلا أنا نوجب الحيض؛ لأنّ هذه العدّة لا تجب إلا باعتبار الدخول وتوهّم اشتغال الرحم، فيتقدّر بالحيض في الحياة والوفاة كالعدّة من نكاح فاسد أو وطءٍ بشبهة.

احتج الشافعي -رحمه الله- فقال: عدّتها أثر ملك اليمين فيتقدر بحيضة واحدة كالاستبراء، ودليل صحّة اعتباره بالاستبراء أنّها لا تختلف بالحياة والوفاة، وتأثيره أنّ المقصود تبين فراغ الرحم لا غير وذلك يحصل بالقرء الواحد (٧).

ولكنّا نقول: هذه عدّة وجبت على حرّة، فلا يكتفى فيها بحيضة كعدة النكاح بلا ولي، فإنّ عدّة النكاح قد تجب على الأمة، وهذه العدّة لا تجب إلا على الحرة، وتأثيره أنّ الحرة كاملة الحال فالوظيفة التي لا تجب إلا على الحرة تجب بصفة الكمال؛ لأنّ المعتبر حال وجوب العدّة لا ما كان قبله وبه يتبين الفرق بينه وبين الاستبراء، فالاستبراء لا يجب عليها.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ١٥٨).
(٢) سقطت من (أ).
(٣) ينظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب (٣/ ٤٠٩)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٨/ ٢٧٧).
(٤) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن: صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية. كان جريئًا جهيرًا. نشأ في الإسلام، وهاجر إلى المدينة مع أيبه، وشهد فتح مكة، ومولده ووفاته فيها، من علماء الصحابة، أفتى الناس في الإسلام ستين سنة، من المكثرين في الحديث، له في كتب الحديث ٢٦٣٠ حديثا، قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابن عمر، وهو مثل عمر في الفضل، توفي سنة ٧٣ هـ. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ١٥٥)، صفة الصفوة (١/ ٢١٤)، أسد الغابة (٣/ ٢٣٦).
(٥) ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ١٤٧)
(٦) أخرجه أبو داود في سننه كتاب كتاب الطلاق، باب في عدة أم الولد (٢٣٠٨).
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ١٧٤)