للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن على المولى أن يستبرئها، قال -عليه السلام-: «ولا الحُبالى حتّى يستبرئن بحيضة» (١)، وهذا خطاب للمولى دون الأمة، فإن قول القائل لا يُضرب فلأن خطاب للضارب دون المضروب.

يوضحه أنّ سبب وجوب الاستبراء حدوث ملك الحلّ بسبب ملك اليمين.

ألا ترى أنّه لو اشتراها من صبي أو امرأة يجب الاستبراء ههنا، سبب وجوب العدّة زوال الفراش، والعدّة التي تجب لزوال الفراش لا يكتفى فيها بحيضة واحدة كذا في «المبسوط» (٢)، وفيه حكاية، وهي أن شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- حين أخرج من الحبس كان أمير البلد زوّج أمّهات أولاده من خدّامه الأحرار، فسأل العلماء الحاضرين عن ذلك، فقالوا جميعًا نعم ما فعلت، فقال شمس الأئمة -رحمه الله-: أخطأت؛ لأن تحت كلّ خادم امرأة حرّة، وكان هذا تزويج الأمة على الحرّة، فقال الأمير: أعتقت هؤلاء، فجدّد العقد، فسأل العلماء من ذلك فقالوا: نعم ما فعلت، فقال: شمس الأئمة أخطأت؛ لأنّ العدة تجب على أمّهات الأولاد بعد الإعتاق، فكان هذا تزويج المعتدة من الغير فلا يجوز، فالله تعالى أنسى جواب مسألة واحدة في موضعين على العلماء ليظهر فقه شمس الأئمة -رضي الله عنه- على غيره.

فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وتفسير الحدوث بعد الموت بأن نصفه لستة أشهر فصاعدًا من يوم الموت عند عامّة المشائخ (٣).

وقال بعضهم بأن يأتي لأكثر من سنتين والأوّل أصحّ.

وتفسير قيام الحُبل عند الموت هو أن تلد لأقلّ من ستة أشهر من وقت الموت، كذا في الفوائد الظهيرية.

ولهما إطلاق قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٤) وهو مطلق، حيث لم يتعرّض أن يكون الحمل من الزّوج أو من غيره، أو يكون الحمل في عدّة الطلاق أو في عدّة الوفاة.

وذكر الإمام التمرتاشي بعد التمسك بقوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} وكذا في سائر وجوه الفرق والحرّة والمملوك فيه سواء (٥).

وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ، أي فيما إذا مات الصغير عن امرأته وبها حُبل.


(١) أخرج أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في وطء السبايا، (٢١٥٧)، وأحمد في مسنده (١١٥٩٦)، والحاكم في المستدرك (٢٧٩٠)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" (٢/ ٢١٢).
(٢) المبسوط للسرخسي (٥/ ١٧٤).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٢٤).
(٤) سورة الطلاق، الآية (٤).
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٣١).