للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إلى آخره، فوجه ورود الشبهة هو أنّه فرق في امرأة الصغير بين الحمل القائم وقت موت الصغير وبين الحمل الحادث بعد موته، حيث جعل انقضاء العدّة في القائم بوضع الحمل وفي الحادث بالأشهر، وجعل في امرأة الكبير في القائم والحادث انقضاء العدّة بوضع الحمل فألحق الحادث بالقائم.

فأجاب عنه، وقال: لما ثبت النسب في امرأة الكبير من الميّت وإن كان الحمل حادثاً بعد الموت جعل كأنّه كالقائم وقت موت الكبير، ولو كان قائمًا وقت الموت في الصغير والكبير كان انقضاء العدّة بوضع الحمل، فكذلك فيما إذا كان قائمًا تقديراً في امرأة الكبير.

وفي «المبسوط» وزعم بعض أصحابنا أن في امرأة الكبير إذا أحدث الحُبل بعد الموت يكون انقضاء العدّة بالوضع، وليس كذلك، بل الجواب في الفصلين واحد، أي في القائم كان انقضاء العدّة بوضع الحمل في الحادث بالأشهر، ومتى كان الحبل حادثاً بعد الموت كان من زنا فلا يتغير به حكم العدّة، وإنّما الفرق في أنّ امرأة الكبير إذا جاءت بالولد لأقلّ من سنتين تنقضي عدتها به؛ لأنّه يستند العلوق إلى ما قبل الموت حتّى يحكم بثبوت النسب من الزوج، فتبين به أنّ الحبل ليس بحادث بعد الموت.

وفي امرأة الصغير لا يستند العُلوق إلى ما قبل الموت، وإنما أسند إلى أقرب الأوقات؛ لأنّ النسب لا يثبت منه، فإذا لم يكن الحبل ظاهراً، وإنّما ظهر بعد موته يجعل هذا أصلاً حادثاً (١).

(وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ)، أي: في وجهي مسألة الصغير، وهما وجه القائم وقت الموت ووجه الحادث بعد الموت.

وحاصله أنّه إن لم يثبت النّسب من الصبي الميّت في الوجهين لكن إذا كان الحُبل قائمًا وقت الموت كان انقضاء العدّة بوضع الحمل عند أبي حنيفة ومحمّد -رحمه الله-، فإنّهما لا يشترطان لانقضاء العدة بوضع الحمل ثبوت النسب.

وذكر الإمام قاضي خان -رحمه الله- وكذلك الحامل من الزنا إذا تزوّجت بزوج آخر جاز النكاح في قول أبي حنيفة ومحمّد رحمهما الله (٢).

فإن مات عنها زوجها كان عدّتها بوضع الحمل لما قلنا.

وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدّة أخرى وتداخلت العدّتان، وصورة التداخل هي أن العدّتين إذا وجبتا من رجلين فلا يخلو من أنّ الوطء الثاني بعدما رأت المرأة شيئاً من الحيض، أو لم تر أصلاً، فإن كانت لم تر أصلاً، فالحيض الثلاث بعد الوطء الثاني تنوب عن ست حيض فإن كانت ذات حيضة يجب عليها بعد الوطء الثاني ثلاث حيض -أيضاً- والحيضتان تنوبان عن أربع حيض.


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٥٢).
(٢) ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٥٥).