للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخمر حرام على الصائم لصومه، ولكونها خمراً، أو ليمينه إذا حلف لا يشربها.

بخلاف ركن الصّوم فإنّه مذكور بعبارة الأمر قال الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (١) فعرفنا أنّ الركن فيه الفعل، ثم عدّتها تنقضي وإن لم تعلم، وتنقضي وإن لم تكف نفسها عن الخروج، ولا يتحقّق أداء العبادة بدون ركنها؛ ولأن بوطء الثاني قد لزمتها العدّة، والشروع في العدّة لا يتأخّر بعد الوجوب، وهذا لأنّه لو امتنع شروعها فيه إنّما يمتنع للعدّة الأولى، والعدّة الأولى أثر النكاح، وأصل النكاح لا يمنع شروعها في العدّة إذا تقرّر بسببها، كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة فأثرها أولى أن لا يمنع.

وذكر في «الإيضاح» والكلام بيننا وبين الشافعي راجع إلى معرفة ركن العدّة، فإنّ الركن عنده فعل التربص، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} (٢) معناه تربصن أنفسهنّ وتكففن (٣).

وإنّما سمّاه أجلاً لأنّ الفعل الواجب به يصير معلومًا.

وإذا ثبت أن الفعل هو الواجب فالفعلان لا يتأدّيان معًا.

ونحن نقول: الركن هو حرمة الفعل؛ لأنّ الله تعالى سمّاه أجلاً، والأجل حقيقة مدّة مضروبة لانقضاء شيء كالآجال في باب الديون.

ولنا أنّ المقصود هو التعرّف عن فراغ الرحم وقد حصل بالواحدة (٤).

فإن قلت: لو كان المقصود هو تعرف فراغ الرحم لما وجبت ثلاثة أقراء؛ ولأنّ التداخل في العدّتين لو كان جائزًا لكان الأولى أن يتداخل الأقراء في أنفسها، فحينئذ ينبغي أن يكتفي بقروء واحد لما أنّ المقصود وهو علم فراغ الرحم يحصل به.

قلت: لا يلزم من التداخل في العدّتين تداخل أجزاء عدّة واحدة بعضها في بعض.

ألا ترى أنّ الشهور في أجلٍ واحد لا يتداخل والشهور في آجال المختلفة يتداخل، حتّى أنّ رب الدّين لو أجّل ديونه على المديونين بثلاثة أشهر مثلاً من وقت واحد بمضي ثلاثة أشهر كلّ الآجال مرة واحدة.

وكذلك الجلدات في الحدّ الواحد لا يتداخل ويتداخل الحدّان.

وأمّا قوله: لو كان المقصود تعرف براءة الرحم لاكتفى بالواحد.

قلنا: إن الحيضة الواحدة لتعرف فراغ الرحم والثانية لحرمة النكاح فرقاً بينه وبين الاستبراء والثالثة لفضيلة الحرية، فإذا قلنا بالتداخل في إقراء عدّة واحدة يفوت هذا المقصود، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٥).


(١) سورة البقرة، الآية (١٨٧).
(٢) سورة البقرة، الآية (٢٢٨).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٢).
(٤) ينظر: المرجع السابق.
(٥) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٢)