للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم لفظ المبتوتة يقع على ثلاث، وهي المختلعة والمطلقة ثلاثاً والمطلقة بتطليقة بائنة، وذكر في «المغرب» (١) حداد المرأة ترك زينتها وخضابها (٢) بعد وفات زوجها؛ لأنّها منعت عن ذلك أو منعت نفسها عنه، وأصل الحدّ المنع وقد أحدّت إحداداً فهي محدّة حدّت تحدّ حداداً من حدّ نصر وضرب والحِداد -أيضاً- ثياب المأتم السود.

قال -عليه السلام-: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها فإنها تحدّ أربعة أشهر وعشراً» (٣) كذا ذكر الحديث في «شرح الآثار» (٤) و «مبسوط فخر الإسلام».

فعلى هذا التمسك به ظاهر؛ لأنّه أخبر عن إحدادها والخبر آكد من الأمر في اقتضاء الوجوب، لما عرف، وكان الإحداد عليها واجباً وأمّا وجه التمسّك بما ذكر في الكتاب حيث لم يقل: فإنّها تحدّ، فمحتاج إلى التأويل فقد ذكر السؤال والجواب في «الفوائد الظهيرية» فقال: فإن قيل: ما وجه التمسّك بهذه النص في إيجاب الحداد ومقتضى هذا النصّ إحلال الإحداد للمتوفى عنها زوجها؛ لأنّ هذا استثناء من التحريم والاستثناء من التحريم إحلال ولا كلام في الإحلال وإنّما الكلام في الإيجاب؟ (٥).

قلنا: قوله -عليه السلام-: «لا يحل» تحريم ترك التزين والتحسّن، وتحريم الترك إيجابه فيكون هذا استثناءًا من الإيجاب، فيكون إيجاباً؛ لأنّ الأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه.

ثم قال: وما هو بما فيه ثلج والفؤاد سوى أني سمعت هذا من الشيخ الإمام بدر الدين الورسكي (٦) -رحمه الله-، وعلى هذا يمكن أن يقال قوله -عليه السلام-: «لا يحل» نفي لإحلال الإحداد ونفي إحلال الإحداد نفي الإحداد نفسه، فحينئذ يكون في المستثنى إثبات الإحداد لا محالة فكان تقدير الحديث: لا تحدّ المرأة على ميّت فوق ثلاثة أيام إلا المتوفّى عنها زوجها فإنها تحدّ أربعة أشهر وعشراً، فكان هذا حينئذٍ إخباراً بإحِداد المتوفى عنها زوجها فكان واجباً لما ذكرنا.


(١) المغرب في ترتيب المعرب (ص: ١٠٧).
(٢) الخضاب: ما يخضب به من حناء، وكتم ونحوه. ينظر: لسان العرب (١/ ٣٥٧).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إحداد المرأة على غير زوجها، رقم (١٢٨٠)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، رقم (١٤٨٦).
(٤) شَرْح الآثار، لأبي جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري، المعروف بالطحاوي (ت ٣٢١ هـ) واسم كتابه (شرح مشكل الاثار) حققه شعيب الأرنؤوط، وطبعته دار الرسالة.
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٥٨)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٩٠).
(٦) عمر بن عبد الْكَرِيم الورسكي الْعَلامَة بدر الدّين البُخَارِيّ تفقه عَلَيْهِ شمس الْأَئِمَّة الكردري ببخارى مَاتَ ببلخ سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مائَة تفقه على أبي الْفضل الْكرْمَانِي وَحدث عَنهُ بأمالي القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الأرسابندي. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٩٢).