للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام الزرنكري -رحمه الله-: الحداد لا يجب على خمس نسوة، المطلقة طلاقاً رجعيًّا؛ لأنّ النكاح لم ينقطع به والمعتدة من نكاح فاسد، لأنّ النكاح الفاسد ليس بنعمة والكتابية والصبية؛ لأنهما لا يخاطبان بحقوق الشرع.

بخلاف العدّة فإنّها عبارة عن مجرد مضي المدة فينويها في حقهما لا يؤدي إلى توجه خطاب الشرع بخلاف الحداد، وأم الولد إذا أعتقت؛ لأنّ زوال الرق نعمة فلا يليق فيه إيجاب التأسف، كذا في «الفوائد الظهيرية» (١).

(وَالْمَعْنَى فِيهِ) أي: إيجاب في ترك الطيب والزينة؛ لأنّها غير مخاطبة بحقوق الشرع، والحداد من حقوق الشرع، ولهذا لو أمر الزوج بترك الحداد لا يحلّ لها ترك الحداد، فلو كان حق العبد لكان هذه الولاية، ولأنّ في قوله -عليه السلام-: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر» (٢) إلى آخره إشارة فيه إلى أنّه حق الله.

لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ، أي: حق المولى، وحق المولى مقدّم على حق الله لحاجته، ولهذا كان للمولى أن يمنع أمته عن أداء النوافل ويمنع عبده عن الجمع لأنها فاتتها نعمة النكاح.

فإن قلت: وجوب الحداد معلول بعلّتين مستقلّتين على ما ذكر في الكتاب، أحديهما إظهار التأسّف لفوت نعمة النكاح، والثانية أن هذه الأشياء دواع إلى الرغبة فيها وهي ممنوعة عن ذلك في العدّة، ثم في حق أم الولد والمعتدة عن نكاح فاسد إن لم يوجد العلة الأولى فقد وجدت العلّة الثانية، وهي تامة بنفسها فإنّهما ممنوعتان عن النكاح حال قيام عدتهما، فكان ينبغي أن يجب الحداد عليهما لوجود العلة الأخيرة فيهما.

قلت: تلك حكمة وليست بعلة لما ذكرنا من دوران وجوب الحداد بفوت نعمة النكاح، والحكم يدور مع العلة لا مع الحكمة لما عرف في مسألة الاستبراء.

وَالْإِبَاحَةُ أَصْلٌ، أي: إباحة الزينة أصل خصوصاً في حق النساء، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} (٣).

ولا بأس بالتعريض في الخطبة، أراد بها المتوفّى عنها زوجها لأنّ التعريض لا يجوز للمطلقة؛ لأنّه لا يجوز لها الخروج من منزلها أصلاً، فلا يتمكّن من التعريض لها على وجه لا يخفى على النّاس، فأمّا المتوفّى عنها زوجها يباح لها الخروج نهاراً، فتمكنه التعريض على وجه لا يقف عليه سواها كذا في شرح التأويلات.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٣٢).
(٢) سبق تخريجه (ص ٢١١).
(٣) سورة الأعراف، الآية (٣٢).