للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظّاهر أنّه منه لانتفاء الزنا منها، فيصير بالوطء مراجعاً.

فإن قلت: ههنا وجه آخر من غير أن يلزم الزنا منها، وهو أن يحمل أمرها على أنّها تزوّجت بعد انقضاء عدّتها زوجًا آخر.

فلو قلت: إن الكلام فيما إذا لم يتزوّج المرأة.

قلت: كما أن الكلام هناك كذلك الكلام في أنّه لم يطأها في العدّة، إذ لو وطئها تثبت الرجعة من غير تقدير هذا التكلّف، فلما كان كذلك كان حمل أمرها على التزوّج بزوج آخر أولى؛ لما فيه من رعاية الأصل الذي قد مرّ آنفاً وهو أن لا تثبت الرجعة بالشّك.

قلت: نعم كذلك إلا أنّ الحكم بإبقاء النكاح الأوّل عند الاحتمال أسهل من الحكم بإنشاء نكاح آخر فيجب القول به إلى هذا أشار فخر الإسلام في مبسوطه.

وإن جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة لم يثبت، فبهذا يعلم أنّ تمام السنتين ملحق بأكثر السنتين في حق عدم ثبوت النّسب.

ولكن هذه الرواية على هذا التقدير كانت مخالفة لرواية «الإيضاح» و «شرح الطّحاوي» و «شرح الأقطع»، وللرواية التي تجيء بعد هذا في الكتاب -أيضاً- وهي قوله: (وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ)، فإن فيها ألحقت السنتان بأقلّ السنتين حتّى أثبتوا النّسب إذا جاءت به لتمام السنتين، ولفظ الحديث يؤيد صحّة جواب تلك الروايات على ما يجيء بعد هذا، حيث اشترط فيه لعدم ثبوت النّسب أكثر السنتين.

قوله -رحمه الله-: (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ)، أي: عند دعواه يثبت النسب منه وإن كانت جاءت به لأكثر من سنتين ثم هل يحتاج فيه إلى تصديق المرأة أم لا ففيه روايتان.

في رواية لا يحتاج إلى تصديقها، وفي رواية تحتاج كذا في «شرح الطّحاوي» (١).

وإن كانت المبتوتة صغيرة يجامع مثلها، فجاءت بولد لتسعة أشهر، أي: من وقت الطّلاق وهي لم تقر بانقضاء العدّة حتّى ولدت لتسعة أشهر لا يثبت نسبه من الزوج، عند أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله- وقال أبو يوسف -رحمه الله- يثبت النّسب إلى سنتين (٢).

وأما إذا أقرت بانقضاء العدّة بثلاثة أشهر ثم جاءت بالولد لأقلّ من ستة أشهر من وقت الإقرار يثبت النسب؛ لأنّها أقرت بانقضاء العدة وفي بطنها ولد ثابت النسب، فبطل إقرارها فصار كأنها لم تقر بانقضاء العدّة فيثبت النّسب.

ولهما أن لانقضاء عدّتها جهة متعيّنة وهي الأشهر فبمضيها يحكم الشّرع بالانقضاء.


(١) ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٨١).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ١٢٦)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٤١).