للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: يشكل على هذا الكبيرة المتوفى عنها زوجها، فإن لانقضاء عدّتها جهة متعينة وهي مضي أربعة أشهر وعشر، ما لم يكن الحُبل فيها ظاهراً، ثم هناك يثبت النّسب إلى سنتين عند علمائنا الثلاثة اتفاقاً، ولا يحكم بالانقضاء بالأشهر هناك لاحتمال الانقضاء بالوضع.

فكذلك ههنا يجب أن يثبت النسب إلى سنتين ولا يعتبر تعيّن الجهة بالأشهر؛ لأنّها إذا كانت مراهقة (١) قبله والكلام فيها يحتمل الإعلاق والإحبال كل ساعة أو لا يعتبر تعيّن الجهة بالأشهر في المتوفّى عنها زوجها، كما في الصغيرة وهو قول زفر فما الفرق بينهما؟.

قلت: لا يشكل، بل الفرق بينهما ثابت وهو ما ذكره في الكتاب بعيد هذا، وهو قوله: إلَّا أَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ، إلى آخره.

فالحاصل أنّ في كل منهما أمضينا الحكم على الأصل ولكن الأصل في الموضعين قد اختلف، فلذلك اختلف الحكم الذي بنى عليه -أيضاً-، وذلك أن الأصل في الكثيرة الأصل، فلذلك لم يعتبر في حقهما تعيّن جهة العدة بالأشهر، والأصل في الصغيرة عدم الإحبال، فلذلك اعتبرنا في حقّهما تعيّن جهة العدّة بالأشهر وذكر في «المبسوط» (٢) في حق الكبيرة.

ولا يقال: الأصل عدم الحُبل.

لأنّا نقول ذلك في حقّ غير المنكوحة، فأمّا النكاح فلا يُعقد إلا للإحبال، وإن جاءت به لستة أشهر أي من وقت الإقرار.

(وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله-) ذكر هذه المسألة في «المبسوط» (٣) بقيدين، وهما أن يكون الطّلاق بائنًا، وأن ينكر الزّوج، فقال: ولو أن رجلاً طلّق امرأته ثلاثاً وتطليقة بائنة، ثم جاءت بولد بعد الطّلاق لسنتين أو أقلّ، وشهدت امرأة على الولادة والزّوج ينكر الولادة والحبل، لم يلزمه النّسب في قول أبي حنيفة -رحمه الله- ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان.

ولكن جعل الإمام قاضي خان -رحمه الله- في «الجامع الصّغير» حكم الطّلاق الرجعي كحكم البائن في هذه المسألة (٤)، فقال: هذه ثلاث مسائل:

أحدها: أن امرأة أتت بولد بعد وفاة الزّوج ما بينها وبين سنتين فجحدت الورثة الولادة، لا يثبت النّسب والولادة إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، في قول أبي حنيفة -رحمه الله- وعندهما يثبت بشهادة القابلة (٥).


(١) راهق الغلام، فهو مراهق إذا قارب الاحتلام. والمراهق: الغلام الذي قد قارب الحلم، وجارية مراهقة. ينظر: لسان العرب (١٠/ ١٣٠).
(٢) المبسوط للسرخسي (٦/ ٥١).
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٩).
(٤) ينظر: تحفة الفقهاء (٢/ ١٨٠).
(٥) القابلة هي: المرأة التي تتلقى الولد عند الولادة. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٤٩٥).