للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا، أي فيثبت بشهادة القابلة تعيّن الولد، فإن قول القابلة كاف في تعيين الولد حال قيام الفراش عندنا، وإن لم يكن كافياً في إلزام النّسب، والنّسب ثابت للفراش كما في حال قيام النكاح، أو إقرار الزّوج بالحبل أو الحبل ظاهر.

ولأبي حنيفة -رحمه الله- أنّها لما أقرت بالولادة، فقد أقرّت بزوال سبب النّسب، وهو الفراش ثم لو ثبت النّسب بعد ذلك إنّما يثبت بالقضاء، والقضاء لا يكون إلا بحجة كاملة (١).

ولا يلزم على ما قلنا حال قيام النكاح وأمثاله؛ لأنّ هناك يثبت النّسب قبل الولادة بسبب قائم وهو الفراش، إنّما الحاجة إلى تعيين الولد؛ لأنّ الزّوج ينكر ولادة هذا الولد وشهادة القابلة حجة في تعيين الولد، بخلاف ما نحن فيه فإنّ الحاجة فيه إلى إثبات نسب ولد الأجنبية من أجنبي وشهادة المرأة الواحدة لا يكون حجة في ذلك، وهذه الشهادة في المعنى شهادة على النّسب؛ لأنّها تشهد ببقاء الفراش إلى ولادتها بهذا الولد، وشهادة المرأة الواحدة لا تكون حجة في السّبب المثبت للنّسب وهو الفراش.

فالحاصل أنّ شهادة القابلة على الولادة حجّة تامة إذا كان هناك حبل ظاهر، أو فراش قائم، أو إقرار من الزّوج بالحبل؛ لما رُوي أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاز شهادة القابلة على الولادة (٢)؛ ولأنّ النظر إلى العورة (٣) لا يحلّ ولكن نظر المرأة إلى المرأة أخفّ من نظر الرجل إليها، ولهذا سقط اعتبار الذكورة في هذه الشّهادة، فكذلك نظر الواحد أخفّ من نظر المثنّى فسقط لهذا اعتبار العدد، ثم الأصل أنّ شهادة النساء إنما تكون حجة إذا تأيّدت بمؤيّد، كما في المعاملات إذا تأيّدت شهادتهنّ بشهادة رجل يكون حجّة، والمؤيّد فيما لا يطّلع عليه الرجال الفراش والقائم، أو الحبل الظاهر، أو إقرار الزّوج بالحبل، فإذا تجرّدت شهادتها عن ذلك لم يكن حجة.


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٦٣٧).
(٢) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الشهادات، باب شهادة المرأة في الرضاع والنفاس، برقم (١٥٤٣٠، ١٥٤٣١)، والدارقطني في سننه، كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك، باب في المرأة تقتل إذا ارتدت، برقم (٤٥٥٦، ٤٥٥٧، ٤٥٥٨)، وقال: "محمد بن عبد الملك لم يسمعه من الأعمش بينهما رجل مجهول" (٥/ ٤١٦ - ٤١٧)، والبيهقي في السنن الصغرى، كتاب الشهادات، باب عدد الشهود، برقم (٣٢٩٤) وقال: "لم يصح إسناده" (٤/ ١٤٦)، وكذا في السنن الكبرى، باب ما جاء في عددهن برقم (٢٠٥٤٢)، وقال: "محمد بن عبدالملك لم يسمعه من الأعمش، بينهما رجل مجهول" (١٠/ ٢٥٤).
(٣) ما يحرم كشفه من الجسم سواء من الرجل أو المرأة. ينظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير (١/ ٢٨٨).