للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يقال: كيف يقبل شهادة الرجال ههنا ولا يحلّ لهم النظر إلى العورة؟.

لأنّا نقول: إنهم لا يقولون تعمّدنا النظر فإنما وقع ذلك اتفاقاً.

أو دخلت المرأة بين يدي الشهود بيتًا بعدما علموا أنّه ليس فيه غيرها، ثم خرجت مع الولد فيعلمون أنها ولدته، ثم عند الحاجة إلى تحمّل الشهادة يباح النظر للرجال كما في الشهادة على الزنا، والحاجة تتحقّق إذا لم يكن هناك مؤيّد، كذا في «الجامع الصّغير» لشمس الأئمة وقاضي خان (١).

(فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ)، إلى آخره، أي أتت بولد قبل تمام سنتين، ومعنى التصديق هو أن يقرّ جميع الورثة فشاركهم بإقرارهم أو أقرّ به جماعة تقطع الحكم بشهادتهم، بأن صدّقها رجلان منهم أو رجل وامرأتان منهم، فوجب الحكم بإثبات نسبه حتّى يشارك المصدّقين والمنكرين، كذا ذكره فخر الإسلام والتمرتاشي -رحمهما الله- (٢).

وقال الإمام الإسبيجاني: هذا جواب الاستحسان والقياس أن لا يثبت النّسب؛ لأنّهم أقروا على الميّت، وذكر شمس الأئمة في تعليل المسألة أنّ الورثة قائمون مقام الزّوج، ولو قال الزّوج: أنّها ولدته كان يثبت النّسب منه (٣).

وكذلك إذا صدّقها الورثة بعد موته؛ وهذا لأنّ ثبوت النّسب منه باعتبار الفراش، وذلك باق ببقاء العدّة بعد موته والحاجة إلى الشهادة ليظهر له ولادتها، ويتعيّن الولد الذي جاءت به وبتصديق الورثة حصل هذا المقصود فيثبت النّسب منه.

وهذا هو الجواب عن الإشكال الذي يقال فيه أنّه في التصديق يقرّ على نفسه والورثة يقرّون على الميّت بالنّسب، فلا يقبل؛ لأنّا نقول: أن ثبوت النّسب ليس باعتبار تصديقه ولا تصديق الورثة، بل باعتبار الفراش إذا كانوا من أهل الشّهادة بأن كانوا ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً وهم عدول، وما ثبت بناء لا يراعى فيه الشّرائط، كالعبد مع المولى والجندي مع السّلطان في حق الإقامة، ووقف المنقول بناءً على وقف العقار، واللعان إنما يجب بالقذف، لا بناء على شهادة القابلة، وهذا جواب إشكال، وهو أن يقال: أن ثبوت اللعان بناءً على شهادة القابلة واللّعان قائم مقام الحدّ، فينبغي أن لا يجب بشهادة امرأة واحدة، فأجاب عنه بقوله: وليس من ضرورة اللّعان نفي الولد، فإنّ اللعان يثبت بدون نفي الولد، بأن يقذفها بالزنا لكن وجب اللّعان ههنا ضمنًا، لنفي الولد الذي ثبت نسبه بقيام الفراش، وشهادة المرأة إنّما كانت لتعيين الولد، لا أن يكون اللّعان مضافاً إلى شهادة امرأة واحدة، ونظير هذا ما إذا ثبت الرمضانية بشهادة الفرد، ثم أفطر إنسان بعد ذلك متعمدًا وجبت الكفارة عليه، والكفارة في الإفطار تجري مجرى الحدّ حيث تندرئ بالشبهات، فلا يجوز إيجابها بشهادة الفرد، لكن وجوب الكفّارة باعتبار ثبوت الرّمضانية، والرّمضانية ممّا تثبت بشهادة الفرد، لا باعتبار شهادة الفرد قصدًا، فكذلك ههنا وجوب اللّعان واستحقاق الميراث باعتبار ثبوت النّسب، لا باعتبار شهادة القابلة قصدًا؛ لأنّ الظاهر شاهد لها وهو عدم الزنا.


(١) ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٢٣٥).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٦٣٧).
(٣) ينظر: المرجع السابق.