للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: يشكل على تعليل الصّغيرة مسألة الرتقاء والقرناء والمرأة التي أصابها بلاء يمنعه من الجماع، أو المرأة كبيرة على وجه لا يمكن وطؤها، فإن لهنّ النفقة مع أن امتناع الوطء جاء من قبلهنّ.

قلت: أنّ المعتبر في إيجاب النفقة احتباس ينتفع الزّوج انتفاعاً مقصودًا بالنكاح، وهو الجماع أو الدّواعي إلى الجماع، والانتفاع من حيث الدّواعي في هذه المسائل حاصل بأن يجامعهنّ فيما دون الفرج.

وأمّا الصغيرة التي لا تجامع، لا يجامع فيما دون الفرج أيضاً لأنّها لا تكون مشتهاة.

وعلّل في الأقضية في الرتقاء، فقال: لأنّ الرتقاء قد يقدر على جماعها فيما دون الفرج.

وكذلك المريضة، فكان الاحتباس لمنفعة مطلوبة من النكاح فتجب النفقة.

قالوا فعلى قود هذا التعليل إذا كانت الصغيرة مشتهاة ويمكن جماعها فيما دون الفرج تجب النفقة كذا في الذّخيرة (١).

وإن كان الزّوج صغيراً وهي كبيرة فلها النفقة، فذكر حكم العجز عن الطرفين منفردًا، ولم يذكر حكم العجز عن الطّرفين مجتمعًا، بأن كانا صغيرين لا يطيقان الجماع، فلو اعتبر جانب الصغير تجب، كما في الكبيرة ولو اعتبر جانب الصغيرة لا تجب كما لو كانت [٣٨٨/ ب] صغيرة والزّوج كبير.

فقال في «الذخيرة» (٢): ولو كانا صغيرين لا يطيقان الجماع لا نفقة لها؛ لأنّ المنع لمعنى جاء من جهتها، فأكثر ما في الباب أن يجعل المنع من قبله كالمعدوم، فالمنع من قبلها قائم ومع قيام المنع من قبلها لا تستحق النفقة.

وعن هذا قلنا: أن المجبوب إذا تزوّج امرأة صغيرة لا تصلح للجماع لا يفرض لها النفقة، والفتوى على الأوّل، وهو أنّه لا نفقة لها، والمعنى في ذلك أنّ النفقة إنما تجب عوضاً عن الاحتباس في بيت الزّوج، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة الزّوج أمكن أن يجعل ذلك الاحتباس باقياً تقديراً، أمّا إذا كان الفوات لا لمعنًى من جهة الزّوج لا يمكن أن يجعل الاحتباس باقياً تقديراً، وبدونه لا يمكن إيجاب النفقة، وهو نظير ما قلنا في الغاصب إذا غصب المُسْتَأجَر من يد المُسْتَأْجِرْ لا يجب الأجر على المُسْتَأجِر، لهذا أنّه فات التمكّن من الانتفاع لا من جهة المستأجر كذا ههنا، وإن حُبس الزّوج وهو يقدر على الأداء أو لا يقدر أو حبس ظلمًا أو هرب كانت لها النّفقة، وكذا إذا حجّت مع محرم أي لا نفقة لها.

وفي «الذخيرة» ولو حجّت المرأة حجة الإسلام، فإن كان قبل أن تسلّم نفسها فلا نفقة لها، ولو كان الزّوج بنى بها، ثم حجّت مع محرم فلها النفقة، في قول أبي يوسف -رحمه الله-.


(١) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٢١).
(٢) ينظر: المرجع السابق.