للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ)، أي: أحد من الأخوة والأخوات والأعمام وغيرهم.

وأمّا الأولاد فإنّهم يشتركون في إنفاق والديهم.

وَهِيَ، أي النفقة.

عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، احتراز عن رواية الحسن عن أبي حنيفة -رحمه الله- (١)، أنّ النفقة بين الذكور والإناث أثلاثاً للذكر مثل حظ الأنثيين، على قياس الميراث وعلى قياس نفقة ذوي الأرحام، وجه الرواية الأخرى أن استحقاق الأبوين باعتبار التأويل وحق الملك لهما في مال الولد، كما قال -عليه السلام-: «أنت ومالك لأبيك» (٢)، وفي هذا الذكور والإناث سواء، ولهذا يثبت لهما هذا الاستحقاق مع اختلاف الملة، وإن انعدم التوارث بسبب اختلاف الملة.

فإن كان الولد معسراً وهما معسران -أيضاً- فليس عليه نفقتهما؛ لأنهما لما استويا في الحال لم يكن أحدهما بإيجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر، إلا أنّه روي عن أبي يوسف -رحمه الله- قال: إذا كان الأب زمِنًا وكسب الابن لا يفضل عن نفقته، فعليه أن يضم الأب إلى نفسه؛ لأنّه لو لم يفعل ضاع الأب، ولو فعل لا يخشى الهلاك على الولد، فالإنسان لا يهلك على نصف بطنه، كذا في «المبسوط» (٣).

(وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) أي واجبة، وفي «المبسوط» ويجبر على نفقة كل ذي رحم محرّم منه الصغار والنساء وأهل الزمانة من الرجال إذا كانوا ذوي حاجة عندنا.

وقال الشافعي -رحمه الله-: لا تجب النفقة على غير الوالدين والمولودين، وقال ابن أبي ليلى: تجب النفقة على كل وارث محرمًا كان أو غير محرم، واستدلّ بظاهر قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (٤).

ولكنّ بيّنا أن في قراءة ابن مسعود -رضي الله عنه-: {وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك} والشّافعي يبني على أصله، فإن عنده استحقاق الصّلة باعتبار الولادة، دون القرابة حتّى لا يعتق أحد على أحد أنّ الوالدان والمولودين عنده، وجعل قرابة الأخوة في ذلك كقرابة بني الأعمام، فكذلك في حق استحقاق النفقة، وفيما بين الآباء والأولاد الاستحقاق بعلّة الحرية، دون القرابة وحمل قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (٥) على نفي المضارّة دون النّفقة وكذلك مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولكنّا نستدل بقول عمر وزيد (٦) رضي الله عنهما، فإنّهما قالا: وعلى الوارث مثل ذلك من النفقة، ثم نفي المضارّة لا يختص به الوارث، بل يجب ذلك على غير الوارث، كما يجب على الوارث على أنّ الكناية في قوله تعالى: ذلك يكون عن الأبعد، وإذا أريد به الأقرب يقال: هذا فلمّا قال ذلك عرفنا أنّه ينصرف إلى قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (٧)، والمعنى فيه أن القرابة القريبة يُفترض وصلها ويحرم قطعها، قال -عليه السلام-: «ثلاث معلّقات بالعرش النعمة والأمانة والرحم، تقول النعمة: كفرت ولم أشكر، وتقول الأمانة: خونت ولم أود، وتقول الرحم: قطعت ولم أوصل» (٨)، وقد جعل الله قطيعة الرحم من الملاعن بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} (٩) ومنع النفقة مع يسار المنفق، وصدق حاجة المنفق عليه يؤدي إلى قطيعة الرحم، ولهذا اختصّ به ذو الرّحم المحرم؛ لأنّ القرابة إذا بعدت لا يفرض وصلها ولهذا لا تثبت المحرمية بها (١٠).


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٢).
(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده (٢٢٩١)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب النفقات، باب نفقة الأبوين (١٥٧٤٩) وقال: "هذا منقطع وقد روي موصولا من أوجه أخر ولا يثبت مثلها" (٧/ ٧٨٩).
(٣) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٢).
(٤) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٥) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٦) زيد بْن ثابت بْن الضّحّاك بْن زَيْد بْن لوذان بْن عَمْرو بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مَالِك بْن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري. أمه النوار بنت مالك بْن معاوية بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، كنيته: أَبُو سَعِيد، وقيل: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن، وقيل: أَبُو خارجة. وكان عمره لِمَا قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة إحدى عشرة سنة، وكان يَوْم بعاث ابن ست سنين، وفيها قتل أبوه، واستصغره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر، فرده، وشهد أحدًا، وقيل: لم يشهدها، وَإِنما شهد الخندق أول مشاهده، وكان زيد يكتب لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي وغيره، وتوفي سنة ٤٥ هـ. ينظر: أسد الغابة (٢/ ١٢٦).
(٧) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٨) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب صلة الرحم (٧٥٦٤).
(٩) سورة النساء: ٥٢.
(١٠) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٣).