للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويجب ذلك على قدر الميراث؛ لأنّ الله تعالى أوجب النفقة باسم الوارث، فيجب التقدير به.

ولهذا قلنا: أنّ الرجل إذا أوصى لورثة بني فلان وله بنون وبنات كانت الوصية لهم على قدر الميراث.

ولو أوصى لولد فلان كان الذكر والأنثى فيه على السّواء، فعلى هذا تخرّج جنس هذه المسائل كذا في «الذخيرة» (١).

ثم معنى قوله: (َيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قدر الْمِيرَاثِ) هو أنّه إذا ثبت الميراث فيما بين ذوي الرحم المحرّم ولم يتجاوز الميراث منهم إلى غير ذي الرحم المحرم، كانت النفقة على قدر الميراث كما ذكر.

وأمّا إذا تجاوز الميراث عنهم إلى غيرهم، كان وجوب النفقة على ذي الرّحم المحرّم، الذي لم يرث على غير ذي الرحم المحرم الذي هو وارث.

بيان ذلك فيما ذكره من «المبسوط»، فقال: وإن كان للولد خال موسر وابن عمّ [موسر] (٢) فالنّفقة على الخال دون ابن العم، [وإن كان الميراث لابن العمّ] (٣)؛ لأنّ النّفقة على ذي الرحم المحرم، وابن العم ليس بمحرم فلا نفقة عليه، والخال محرم فيكون النّفقة عليه إذا كان موسراً (٤).

قلت: ومن هذا يُعلم أنّ صفة ذي الرّحم المحرّم أعرق وأرسخ في وجوب النفقة من صفة الوراثة الثابتتين في قوله: (وعلى الوارث ذي الرّحم المحرم) في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه.

فإن قيل: هذه النفقة مبنيّة على الميراث بالنصّ، فعلى هذا كان ينبغي أن يجب النفقة على ابن العم لوجود الإرث، ولا يجب على الخال لعدم الإرث.

قلنا: نفقة ذوي الأرحام واجبة لتحقيق الصّلة، وتحقيق صلة قرابة ابن العم ليس بواجب بدليل جواز المناكحة في حقّه، بخلاف الخال فإنّ صلته واجبة والنّفقة منها، فيجب عليه.

وأمّا بيان ترتيب وجوب قدر النّفقة على قدر الميراث في ذوي الرّحم المحرّم في جميع الروايات ما ذكره في «المبسوط»، فقال: وإذا كان الرجل زمنًا معسراً، وله ابن معسر صغير، أو كبير زمن، وللرجل ثلاثة أخوة متفرّقون أهل يسار، فنفقة الرجل تكون على أخيه لأب وأمّ، وعلى أخيه لأمّ أسداساً -بحسب ميراثهما-، فأمّا نفقة الأولاد فعلى الأخ من الأب والأمّ خاصّة؛ لأنّ ميراث الولد عند عدم الأب له خاصة، فإنّه عمّ لأب وأمّ، فلا يرث معه العمّ لأب ولا العمّ لأمّ.

والحاصل أن من يكون محتاجاً يجعل في حكم المعدوم، فتكون النّفقة بعده على من يكون وارثاً بحسب الميراث، فإذا كان الولد ابنةً كانت نفقة الأب والابنة على الأخ من الأب والأم خاصة، أمّا نفقة الابنة فلمّا بينا، وأمّا نفقة الأب؛ فلأنّ الوارث ههنا الأخ لأب وأم خاصة؛ لأن الأخ لأب وأم يرث مع الابنة، والأخ لأمّ لا يرث مع البنت، فلا حاجة إلى أن تجعل البنت كالمعدومة، ولكن يعتبر صفة الوراثة مع بقائها، بخلاف الابن فإنّه لا يرث معه أحد من الأخوة، فلابدّ من أن تجعل كالمعدوم، وإذا جعل كذلك فميراث الابن يكون بين الأخ لأب وأمّ والأخ لأمّ أسداساً فالنّفقة عليهما بحسب ذلك (٥).


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٨٤).
(٢) سقطت من (أ).
(٣) سقطت من (ب).
(٤) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٧).
(٥) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٧).