للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أنّ ابن العم لو مات قبل الخال كان الميراث للخال، فسبب الإرث قائم والأهليّة باقية؛ لأنّهما مسلمان، ولكن جريان الإرث عدم، وهو ليس بشرط، والفتوى على الأوّل، وهو أن اليسار مقدّر بالنّصاب، نصاب حرمان الصّدقة، وهو أن يملك ما فضل عن حاجته ما يبلغ مائتي درهم فصاعدًا، وهو الصّحيح؛ وهذا لأنّه لم يشترط لوجوب صدقة الفطر غنى موجب للزكاة، وإنّما يشترط غنى محرّم للصدقة، فكذا في حق إيجاب النّفقة؛ لأنّ النفقة أشبه بصدقة الفطر منه بالزّكاة؛ لأن في صدقة الفطر معنى المؤنة، ومعنى الصّدقة، فإذا لم يشترط لصدقة الفطر غنى موجب للزكاة، وهي صدقة من وجه ومؤنة من وجه، فلأن لا يشترط لوجوب النفقة غنًى موجب للزكاة وأنّها مؤنة من كلّ وجه كان أولى، كذا في «الذخيرة» (١).

(قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ، وهو قوله: (وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ)، إلى قوله: (وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ).

(وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ)، ولا يجوز للأب بيع عقار الولد، عند أبي حنيفة -رحمه الله- إلا إذا كان الولد صغيراً.

وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ، أي في العروض والعقار جميعًا.

وَهُوَ الْقِيَاسُ، فوجه القياس في ذلك هو أن ولاية الأب تنقطع ببلوغ الصبي رشيدًا، إلا فيما يتبعه تحصينًا لولده الغائب، فإنّ الابن إذا بلغ وهو غائب فللأب ووصيّ الأب بيع عروضه تحصينًا على الغائب، [وههنا] (٢) هو لا يبيع تحصينًا على الغائب، وإنّما يبيع لنفسه وليست له هذه الولاية.

ألا ترى أنّ استحقاق الأمّ النّفقة كاستحقاق الأب، ثم الأم لا تبيع عروض الولد في نفقتها، فكذلك للأب ولكن استحسن أبو حنيفة (٣) -رحمه الله- فقال: ولاية الأب وإن زالت بالبلوغ، ولكن نفى أثرها ولهذا صحّ منه الاستيلاد في جارية الابن، فلبقاء أثر ولايته كان له أن يبيع العروض؛ لأنّ بيع العروض من الحفظ، فإنّ العين يُخشى عليها الهلاك، وحفظ الثمن أيسر، وولاية الحفظ تثبت لمن يثبت له ولاية التصرف، كالوصي في حق الوارث الكبير له ولاية الحفظ وبيع العروض.

فكذلك للأب ذلك، وبعد البيع الثمن من جنس حقّه، فله أن يأخذ منه مقدار النفقة، فأمّا بيع العقار فليس من الحفظ؛ لأنّه محصن بنفسه، فلا يملك ذلك إلا بمطلق الولاية وهو عند صغر الولد أو جنونه، وإذا باع عند ذلك [أخذ] (٤) من الثمن نفقته؛ لأنّه من جنس حقّه.


(١) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٨٤).
(٢) في (ب): ومن ههنا.
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٦).
(٤) سقطت من (ب).