للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى فيه، أن هذا إزالةَ ملك اليمين بالقول، فيتجزى في المَحَلِّ كالبيع، وتأثيره أنَّ تَصَرُّف المَالِكِ باعتِبار مِلكِهِ، وهو مالك للماليَّةِ دون الرِّقِّ، و الرِّقُّ: اسم لِضعفٍ ثابت في أهل الحرب مُجازاةً وعُقُوبةً على كفرهم، وهو لا يَحتمل التَّمَلُّكَ (١) كالحياةِ إلا أنّ بقاء مِلِكه لا يكونُ إلا ببقاء صفة الرّق في المحلّ، كما لا يكون إلا باعتبار صفة الحياة في المحلّ، وذلك لا يدلُّ على أنّ الحياة "مملوك" (٢) له، وإذا ثبت أنّه يملك الماليّة، ومِلكُ المالية محتمل للتجزي؛ فإنّما يَزولُ بقدر "مُزِيلُهُ" (٣)، ولهذا لا يُعتَقُ شيءٌ منه بإعتاق البعض عند أبي حنيفة -رحمه الله- بل هو كالمكاتب عنده). (٤)

وأمّا قولهم فالعتق غير متجز فلا يتجزّى الإعتاق "في نفسه" (٥) فغير صحيح (لما أنّ العتق الذي ينبني على الإعتاق غير متجزٍّ والإعتاق في نفسه متجزٍّ حتّى يتصوّر من جماعة.

فالمعتق للبعض إنّما يُثبتُ شَطر العِلَّةِ (٦)، فَيَتَوَقَّفُ عِتقُ المَحَلِّ على تكميلها، وهو نظير إباحة أداء الصّلاة تَنبني على غَسلِ أعضاءٍ هي متجزّيةٌ في نفسها، حتى يكونَ غاسلاً بعض الأعضاء متطهرًا بقدره، ثم يتوقف إباحة أداء الصّلاة على إكمال العلّة.

وحرمة المحلّ لا يتجزى، وإن كانت تنبني على طلقات هي متجزيّة، حتّى كان الموقع للتّطليقتين مطلقًا، ويتوقّف ثبوت الحرمة على كمال العلّة، وههنا أيضًا نزول العتق في المحلِّ يتوقف على تمام العلّة في المحلِّ بإعتاق ما بقي، وإن كان معتق البعض معتقًا؛ لأنّ الإعتاق يقتضي انفعال العتق كما قالوا (٧) ولكن لا يقتضي الاتصال بالإعتاق بل يثبت الاستحقاق (٨) بالإعتاق، ويتأخر ثبوته في المحلّ إلى إكمال العلّة) (٩) وفي هذه الحالة له حكم المكاتب الذي هو بين الحرّ والعبد؛ لأنّه صار بينهما.


(١) التملك: الملك، أو الملك قهرا، يقال: تملك الشيء: امتلكه أو ملكه قهرا، ملكه الشيء تمليكا، أي جعله ملكا له. انظر: الصحاح (٤/ ١٦٠٩)، المعجم الوسيط (٢/ ٨٨٦)، لسان العرب (١٠/ ٤٩٢)، (ملك).
(٢) في (ب) "مَمْلُوكَةٌ" وايضاً المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٣).
(٣) هكذا في الأصل ولعل الصواب ما يزيله أي يزيل ملك المالية بقدر ما يزيله المالك لها. جاء في المبسوط: "وملك المالية يحتمل التجزؤ فإنما يزول بقدر ما يزيله. انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٣).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٣).
(٥) قوله " في نفسه " ساقطة في (ب).
(٦) العِلَّةُ: السبب، يقال: هذا علة لهذا، أي سبب.
انظر: لسان العرب (١١/ ٤٧١)، (عل)، المحكم والمحيط الأعظم (١/ ٩٥).
وفي عرف الفقهاء: عبارة عما يجب الحكم به معه، وهي ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجًا مؤثرًا فيه، وعلة الشيء: ما يتوقف عليه ذلك الشيء.
انظر: التعريفات (١/ ١٥٤)، كشف الأسرار (٤/ ١٧١).
(٧) كما قالوا: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- ومن معهم في الدليل على قولهم، وكلمة "قالوا" هي في المبسوط "قال" (٧/ ١٠٤) والصواب: قالوا؛ لأن القول المخالف قائله ليس واحدا، ولفظ "قالوا" تستعمل عند ابي حنيفة -رحمه الله- فيما فيه اختلاف مشايخ المذهب.
انظر: العناية (١/ ٣٩٩) البناية (٢/ ٤١٦)، الفوائد البهية للكنوي (ص ٢٤٢).
(٨) الاستحقاق في اللغة: يقال استحق فلان الأمر: استوجبه.
انظر: مختار الصحاح (١/ ٦٢)، المصباح المنير (١/ ٧٨)، كلاهما (حقق).
وفي عرف الفقهاء: طلب الحق.
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة للطوري (٦/ ١٥١)، تبيين الحقائق (٤/ ٩٩).
(٩) انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٤).