للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اعلم أنّ السّاكت لما تخيّر بين الإعتاق والاستسعاء واختيار السّاكت أحدهما إبراء الآخر وكان هو نظير اختيار المالك تضمين أحد الغاصبين واختياره (١) أن يقول اخترت أن أضمنك أو يقول أعطني حقي، وأمّا إذا اختاره بالقلب فذاك ليس بشيء.

وإن كان السّاكت صغيرًا والمعتق موسرًا، فولي الصّغير، يخير بين التّضمين، والاستسعاء، عند أبي حنيفة -رحمه الله- والتّضمين أولى، وإن لم يكن له وليٌّ يُنتظر بلوغه كذا ذكره الإمام التمرتاشي (٢) -رحمه الله-.

قوله: (ولا يرجع المعتق على العبد) على قولهما وعند أبي حنيفة -رحمه الله- يرجع المعتق على العبد إذا ضمن المعتق لما ذكروا من الدّليل من الطّرفين.

فإن قلتَ: كان القياسُ أن يرجع العبد بما سعى على المعتق، إذا أيسر على القولين كما في العبد المرهون، ولما أن المعتق هو الذي ورطه في هذه الورطة (٣)؛ فإنه لولا إعتاقهُ لما وجب عليه الاستسعاء فيجب عليه أداءَ ضمانهِ، وهو قول ابن أبي ليلى (٤) -رحمه الله- كالعبد المرهون، فإنّه يرجع على الراهن بما سعى.

[٤٠١/ أ] قلتُ: (إذا كانت عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للسّاكت، فكذلك يمنع وجوب الضّمان عليه للعبد؛ وإنّما سعى العبد في بدل رقبته "ومالكيته" (٥) وقد سلم له ذلك، فلا يرجع به على أحد بخلاف المرهون، فإنّ سعايته ليست في بدل رقبته بل في الدّين الذي هو ثابت في ذمّة الراهن، من كان مجبرًا على قضاء دين في ذمة/ الغير من غير "إلزامُ" (٦) جهته يثبت له حقُّ الرجُوع به عليه كما في معير الرّهن) (٧). كذا في المبسوط (٨).


(١) أي الشريك الساكت.
(٢) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٧٦).
التُّمُرتاشي هو: الإمام أبو العباس ظهير الدين أحمد بن إسماعيل بن محمد، المعروف بالظهير التمرتاشي الخوارزمي الحنفي، إمام جليل القدر، له: شرح الجامع الصغير، الفتاوى (ت ٦١٠ هـ).
انظر: تاج التراجم (ص/ ١٠٨)، الفوائد البهية (ص/ ٣٥)، الأعلام (١/ ٩٧)، الجواهر المضية (١/ ٦١).
(٣) الْوَرْطَةُ: الهَلاكُ، وهي كُلِّ شدَّةٍ وأمرٍ شاقٍّ. انظر: المصباح المنير (٢/ ٦٥٥)، لسان العرب (٧/ ٤٢٥).
(٤) هو: مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. الْفَقِيه الْمُحدث من أصحاب الرأي، ولي القضاء ٣٣ سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حَنِيفَةَ وغيره. الْمُتَوفَّى سنة ١٤٨ ثَمَان واربعين وَمِائَة. انظر: هدية العارفين (٢/ ٧)، التاريخ الكبير: (١/ ١٦٢)، الجرح والتعديل (٧/ ٣٢٢)، الأَعْلَام للزركلي (٦/ ١٨٩).
(٥) "وماليته" هكذا في (ب). وكذلك في المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٦)، والعناية (٤/ ٤٦٥)، والبناية (٦/ ٣٩)، وماليته هو الأقرب للصواب، فيكون العبد سعى في بدل رقبته وماليته أي مالية جزئه المتبقى لفكاك هذه الرقبة.
(٦) " إلزام " في (ب) "التزام" وهي كذلك في المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٦)، والعناية (٤/ ٤٦٥)، والبناية (٦/ ٣٩)، وهو الصواب: أي من غير التزام من جهة من عليه الدين بسداده.
(٧) صورة مسألة معير الرهن: استعار إنسان من آخر شيئا ليرهنه بدين يأخذه من المرتهن، ثم أدى المعير الدين للمرتهن، يجبر المرتهن حينئذ على القبول؛ لحاجة المعير إلى استخلاص الرهن منه، وفي البناية (١٠/ ٤٢٥)، بل ويلزم الراهن بسداد الدين للمعير، وإن لم يكن التزم بسداده له.
ومعنى الرهنُ في اللغة: مطلق الحبسِ ويأتي الرهن بمعنى الدوام والثبوت.
انظر: الصحاح (٥/ ٢١٢٨ - ٢١٢٩)، (رهن)، لسان العرب (١٣/ ٢٢٨)، (رهن).
وفي عرف الفقهاء هو: هو حبس شيءٍ بحقٍّ يمكن استِيفَاؤُهُ منه. انظر: المبسوط للسرخسي (٢١/ ٦٣).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٦).