للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذلك لا يجب على العبد بل أولى؛ لأنَّ المُعتِق مُعسرٌ جَانٍ (١) والعَبد مُعسرٌ غير جَانٍ، وهذا لأنّه لو لزمته السّعاية إنّما تلزمه في بدل رقبته، وليس للمولى ولايَةُ إلزامِهِ المال بدلًا عن رقبتِهِ في ذِمَّتِهِ كما لو كاتبَهُ بغير رضَاهُ فَلَأَنْ لا يكون ذلك لغير المالكِ أولَى.

وحُجَّتُنَا (٢) في ذلك حديث بِشيرِ بن نَهِيكٍ (٣) عن أبي هُريرة -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أعتَق شِقصًا من عبدٍ بينهُ وبين غيرهِ، قُوِّمَ عليهِ نَصِيبُ شرِيكِهِ إن كان موسِرًا قِيمَةَ عَدلٍ، وإلا يُستَسعَى العبد في نَصِيبِه غير مشقوقٍ عليه». (٤)

أي غير مشتدّ عليه الأمر، والمعنى فيه أنَّ نصِيبَ الشَّريكِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وقد احتُبِس عِند العبد لما قلنا أَنَّ بعد إعتَاق البَعض يَمتنِعُ استِدَامَةُ المِلكِ فيما بقي لِوُجُوب تكمِيلِ العتق، والدَّليل عليه حالةُ اليسار فإنَّ حكم المحلِّ لا يختَلفُ بيسار المُعتِق، وعُسرته، ومن احتبس مِلك الغير عنده يكون ضامِنًا له مُوسِرًا كان أو مُعسرًا، وُجد منه أو لم يوجد، كما لو هبَّت الرِّيحُ بثوبِ إنسانٍ، وألقتهُ في صَبغِ إنسانٍ، فانصبغ (٥) كان لصاحِبِ الصَّبغِ أن يرجع عليه بقيمة صَبغِه إذا اختار صاحبُ الثَّوب إمساك الثّوب، وكذلك إذا استولَدَ أحدُ الشَّريكينِ الجاريةَ (٦) المشتركة، يضمنُ نصيبَ شريكِهِ مُوسِرًا كان أو مُعسرًا، لاحتِباس نصيبِ الشَّريكِ عنده، فكذلك هنا يجب على العبدِ السِّعايةُ في نصيبِ الشَّريكِ، وإن كان معسرًا لاحتباس نصيب الشّريك عنده، وهذا بخلاف بدلِ الكِتابةِ؛ لأن وجوبه بعقد يعتمد التَّراضي، ووجوب السِّعَايَةِ من طريق الحُكمِ للاحتِبَاسِ، وذلك متقدّر وإن لم يرض به العبد) كذا في المبسوط (٧).


(١) جانٍ. الجاني: المذنب. يقال: جنى جناية: أذنب، والجناية: الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة.
انظر: لسان العرب (١٤/ ١٥٤)، المعجم الوسيط (١/ ١٤١)، (جني).
(٢) "وحُجَّتُنَا "أي: حُجة الحنفية على وجوب السعاية على العبد ولو معسرا إن كان الشريك معسرا.
(٣) بَشِيْرُ بنُ نَهِيْكٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ البَصرِيُّ. العَالِم، الثِّقَةُ، تابعي.
انظر: سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٨٠)، ميزان الاعتدال (١/ ٣٣١)، الطبقات الكبرى لابن سعد (٧/ ٢٢٣).
(٤) سبق تخريجه في ص (١٠١).
(٥) الصِّبْغُ هو: ما يُصبغ به وتُلوَّن بِه الثِّياب. انظر: لسان العرب (٨/ ٤٣٧)، (صبغ).
(٦) الْجَارِيةُ: هي الامة صغيرة كانت أم كبيرة - البنت الصغيرة التي لم تبلغ.
انظر: معجم لغة الفقهاء (١/ ١٥٨). المغرب (١/ ٨١).
(٧) هو بنصه. انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠٦).