للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما تَيَقَّنَّا بحق الاستِسعَاءِ على التَّقديرينِ فإنّ المولى إذا كان كاذباً في قوله أعتق الشّريك يكون الكسب للمولى والمراد من الاستسعاء هو أن يكون الكسبُ للمولى.

وإذا كان صادقًا في قولِه: [أعتَقَ الشَّرِيكُ] يكونُ مُقِرًّا بأنَّ العبد صار مُكاتبًا باعتبارِ تَجَزِّي الإعتاق عند أبي حنيفة -رحمه الله-، فكان الاستِسعَاءُ حينئذٍ بِمنزِلَةِ أخذ بدل الكتابة وذلك أيضًا جائزٌ.

قوله: لأنّ حقّه في الحالين أي لأنّ حق المولى في حال اليسار والإعسار في أحد شيئين أي التّضمين أو الاستسعاء.

قوله: وقد تعذّر التّضمين لإنكار الشّريك ولا يقال لم يَتَعَذَّر التَّضمِينُ على تَقدِير التَّحلِيفِ فإِنَّه لمَّا أنكر يَحلِفُ، فإذا نَكَلَ (١) عن الحلف (٢) يجب الضمان، لأنّا نقول: لما كان من اعتقاد كلّ واحد منهما أنّه أعتقه صاحبه يحلف، فلم يجب الضّمان على تقدير الحلف فيتعيّن السّعاية فلا فائدة في التحليف بل يتعيّن السّعاية بلا تحليف؛ لأنّ ماله إليه، إلا أن الدّعوى لم يثبت لإنكار الآخر، والبراءة (٣) قد تثبت لإقراره على ما بيّناه؛ وهو قوله: لأنا تَيَقَّنَّا بحق الاستسعاء كاذبًا كان أو صادقًا.

[٤٠٢/ أ] وذكر في المبسوط (٤) (وإن شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق، لم يجز شهادته؛ لأنّه في الحقيقة مدّعٍ إمّا الضّمان على شريكه أو السّعاية على العبد في نصيبه ولكن الرّق يَفسدُ بإقراره، لأنّه متمكن من إفساد الرّق بإعتاقه، فإذا أقرّ بفساد الرّق بإعتاق الشّريك يعتبر إقراره في ذلك، ثم يسعى العبد في قيمته بينهما في قول أبي حنيفة -رحمه الله-/ موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا؛ لأنّ يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السّعاية، والشّاهد منهما يقول شريكي معتق ولي استسعاء العبد مع يساره والمشهود عليه يقول الشّاهد كاذب ولا ضمان لي عليه، ولكن لي حق استسعاء العبد لاحتباس نصيبي عنده) فمضى الغد (٥) ولا يُدرى دخل أم لا وقال كلّ واحد منهما حنث صاحبي وهذا (٦) قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- إلا أنّ عند أبي حنيفة -رحمه الله- يسعى لهما في نصف قيمته موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدها موسرًا والآخر معسرًا؛ (لأنّ يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السّعاية على العبد) (٧)


(١) نكِلَ: نَكَصَ وجبُن وامتنع. انظر: لسان العرب (١١/ ٨٠٧)، (نكل).
(٢) الحَلِفُ: القَسَمُ وهو اليمينُ. انظر: لسان العرب (٩/ ٥٣)، (حلف).
(٣) البراءة في اللغة: التباعد من الشيء، والتخلص منه.
انظر: معجم مقاييس اللغة (١/ ٢٣٦)، لسان العرب: (١/ ٣٨)، كلاهما (برأ).
وعند الفقهاء: لا يخرجُ معناها عن المعنى اللغوي، فهم يريدون بالبراءة في الديون، والمعاملات والجناياتِ: التخلّص، والتنزه، والإسقاط. انظر: دُرر الأحكام شرح غُرر الأحكام (١/ ٢٢)، الموسوعة الفقهية (٨/ ٥١).
(٤) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٢٣).
(٥) الغَدوُ: أَصلُ الغد، وهو اليوم الذي يأْتي بعدَ يومِك. انظر: لسان العرب (١٥/ ١١٧)، (الغدو).
وما ذكر بين القوسين جزء من مسألة هذا نصها بتمامها" ولو قال أحد الشريكين إن لم يدخل فلان هذه الدار غدا فهو حر وقال الآخر إن دخل فهو حر فمضى الغد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف وسعى لهما في النصف الآخر وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال محمد -رحمه الله- يسعى في جميع قيمته" انظر: الهداية (٢/ ٣٠٣).
(٦) إشارة إلى ما جاء في الهداية " عتق النصف وسعى لهما في النصف الآخر " انظر: الهداية (٢/ ٣٠٣).
(٧) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١١٨)، العناية (٤/ ٤٧٣).