للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعَ (١) التَّيَقُّنِ بسُقُوطِ النِّصف كيف يُقضَى بوُجُوب الكُلِّ (٢) وبه (٣) فارق الشهادة بالعتق فهناك لم يتيقّن بسقوط شيء من السّعاية عن العبد، لجواز أن يكون كلّ واحد منهما كاذباً فيما يشهد به على صاحبه، ونظيره جارية في يدي رجل زعم أنّه نكحها بإذن مولاها، ومولاها يزعم أنّه باعها منه، لا يحلّ له وطئها وإن اتفقا على حلها نظرًا إلى ما يدعيه كل واحد منهما، لكن احتمال الكذب في دعوى كلّ واحد منهما ثابت فلا يثبت الحِلّ.

وأمّا في مسألتنا تَيَقَّنَّا بسُقُوط نصفِ السِّعايةِ عن العبدِ، على ما ذكرنا فلما سقط النّصف وزع عليهما دفعا للجهالة بقدر الإمكان "وهو (٤) معنى قوله في الكتاب"

والجَهالَةُ ترتفعُ بالشُّيُوع والتَّوزيعِ. (٥)

فإن قيل: في التّوزيع فساد أيضًا؛ وهو إسقاط السّعاية عن حق غير المعتق وإيجابها للعتق.

قلنا: نعم لكن بطريق الضّرورة فإنا لو لم نقل بالتّوزيع، وقلنا بوجوب كلّ السّعاية كما قال محمّد كان فيه إبطال حق العبد من كلّ وجه ولو قلنا بالتّوزيع كان فيه إبطال حق غير المعتق من وجه فكان التّوزيع أولى، ولو حَلَفَا على عَبدينِ كُلِّ واحدٍ من العبدين لأحدهما فقال أحدهما إن دخل فلان الدّار غدًا فعبدي هذا حر وقال الآخر إن لم يدخل فعبدي هذا حرّ فمضى الغد ولا يُدرَى دخل أم لا لم يعتق واحد منهما؛ لأنّ عتق كلّ واحد منهما مشكوك فيه غير متيقّن فتمكنت الجهالة في موضعين في المعتِق والمعتَق فيترجّح جانب الجهالة على جانب العلم فتعذّر القضاء، بخلاف ما تقدم؛ لأنّ المقضي له بسقوط نصف السّعاية معلوم وهو العبد.


(١) هذا جزء من دليل أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وجوابهما على قول محمد -رحمه الله-، والنص بتمامه "ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية لأن أحدهما حانث بيقين ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو بعينه ونسيه ومات قبل التذكر أو البيان ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق".
انظر: الهداية (٢/ ٣٠٣ - ٣٠٤).
(٢) هذا جواب عن قول محمد -رحمه الله-، المقضي عليه مجهول. انظر: العناية (٤/ ٤٧٤).
(٣) الضمير يرجع إلى قوله " التيقن بسقوط النصف ".
(٤) الضمير يرجع إلى ما ذكر في العبارة السابقة: "فلما سقط النّصف وزع عليهما دفعا للجهالة بقدر الإمكان".
(٥) أي الجهالة ترتفع بتوزيع النصف الذي سقط على الموليين دفعا للجهالة بقدر الإمكان.