للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقضي به معلوم وهو نِصفُ السِّعاية، والمجهولُ واحدٌ، وهو الحانِث، فترجّح جانب العلم على جانب الجهالة، فتوزّع، ثم في مسألة العبدين إذا اشتراهما رجل جاز، وإن كان عالمًا يحنث أحد التّابعين؛ لأنّ كلّ واحد منهما يزعم أنّه يتبع العبد، وزعم المشتري قبل دخول العبد في ملكه غير معتبر، كما لو أقرّ بحريّةِ عبدٍ، ومولاه ينكر ثمّ اشتراه، صحّ وإذا صحّ الشّراء، واجتمعا في ملكه عتق عليه أحدهما؛ لأن زعمه معتبر، لأنّ لحصولهما في ملكه، ويؤمر بالبيان؛ لأنّ المقضي عليه معلوم.

[٤٠٢/ ب] وكذا لو أقرّ بإعتاق البائع ثم مَلَكَهُ عَتُق عليه بإقرارهِ، ولو قال: عَبدُهُ حُرٌ إن لم يكن فلانٌ دخل هذه الدّارَ اليومَ، ثمّ قال امرأته طالق إن كان دخل اليوم عتق وطلقت؛ لأنّ اليمين (١) الأولى صار مُقرًّا بوجودِ شرطِ/ الطّلاق وباليمين الثّانية صار مقرًا بوجود شرط العتق.

وقيل: (٢) لم يعتق ولم تطلق؛ لأنّ أحدهما معلّق بعدم الدّخول، والآخر بوجوده، وكلّ واحد من الشّرطين دائرٌ بين الوجودِ والعدم، فلا يَنزِلُ الجَزاءُ بالشَّكِّ.

وعن أبي يوسف -رحمه الله- يَعتِقُ ولا تطلق؛ لأنّ باليمين الثّانية صار مقرًا بنزول العتق ولم يوجد بعد الثّانية ما يُوجِبُ إقرارهُ بنزول الطّلاق كذا ذكره الإمام شمس الأئمة (٣) وقاضي خان والتمرتاشي صاحب الفوائد (٤) -رحمه الله-.

قوله: عتق نصيبه (٥) أي زال ملكه عن حِصَّته، لما أنّه لا يثبت شيء من العتق، عند أبي حنيفة -رحمه الله- بإعتاق البعض ولا ضمان عليه أي لا ضمان على الأب سواء علم الشّريك أو لم يعلم، وكذا إذا ورِثَاهُ وصُورتُهُ امرأةٌ اشتَرَتْ ابن زوجِهَا فَمَاتَت عن أخٍ وزوجٍ كان النِّصفُ لِلزَّوجِ ويَعتِقُ عليهِ، أو كان لرجلين ابن عمّ وله جارية فزوجها أحدهما فولدت ولدًا ثم مات ابن العمّ فورثاه عتق الولد على الأب، أو امرأة لها زوج وأب ولها غلام وهو ابن زوجها، فماتت هذه المرأة صار غلامها ميراثًا بين زوجها وأبيها، ثم في صورة الإرث فلا خلاف بين أصحابنا (٦) أنّه لا يلزمه الضّمان؛ لأنّه دخل في ملكه بغير فعله فلم يوجد منه إتلاف فلا يلزمه الضّمان، كذا وجدت بخط شيخي -رحمه الله-.


(١) سيأتي مزيدًا من تفصيل اليمين لاحقا في كتاب الأيمان بمشيئة الله. واليمين في اللغة: القوة، وتأتي بمعنى الحلف والقسم، والجمعُ: أيمنٌ، وأيمانٌ. انظر: لسان العرب (١٣/ ٥٧٠ - ٥٧١)، (يمين).
وعند الفقهاء: عبارة عن تأكيد الأمر، وتحقيقه بذكر اسم الله، أو بصفة من صفاته عز وجل. أو التعليق، فإن اليمين بغير الله ذكر الشرط والجزاء.
انظر: أنيس الفقهاء (١٧٢)، التوقيف على مهمات التعاريف (٧٥١).
(٢) المشهور أن: "قيل" وامثالها من صيغ التمريض، يشار بها الى ضعف القول أو القائل. والصحيح: أنه إن علم من المؤلف أنه يشير بذلك إلى الضعف أو عدم الرجحان، أو وجد قرينه تفيد ذلك حكمنا بالضعف أو عدم الرجحان، وإلا فالأولى عدم الجزم بذلك.
انظر: مقدمة عمدة الرعاية للكنوي (ص ١٧)، أدب المفتي للبركتي (ص ١٥).
(٣) انظر المبسوط للسرخسي (٩/ ٣٤).
(٤) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٧٨).
(٥) في الهداية: عتق نصيب الأب، والمؤلف يبدأ من هنا التوضيح لبعض عبارات المسألة الآتية: " وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب " لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر " ولا ضمان عليه "علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم " وكذا إذا ورثاه والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد" وهذا عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وقالا في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وعلى هذا إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق لأن شراء القريب إعتاق وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق أحدهما نصيبه وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا.
وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه وهو ظاهر الرواية عنه لأن الحكم يدار على السبب كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه " وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى الأب نصفه الآخر وهو موسر فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب " لأنه ما رضي بإفساد نصيبه " وإن شاء استسعى الابن في =نصف قيمته " لاحتباس ماليته عنده "، وهذا عند أبي حنيفة -رحمه الله- " لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقالا لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما.
انظر: الهداية (٢/ ٣٠٤)، والضمير في قوله " نصيبه " يعود على الأب.
(٦) المراد بأصحابنا هم الأئمة الثلاثة (أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهم الله-
انظر: رد المحتار لابن العابدين (٤/ ٤٩٥)، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر للحموي (١/ ٢٧)، الفقه الإسلامي للزحيلي (١/ ٥٧)، مقدمة في الفقه لأبي الخيل (١١٧).