للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنّما قلنا ذلك؛ لأنّ الشّرع جعل البيع علّة واحدة وهو لا يتم إلا بالإيجاب والقبول، والعلّة الواحدة لا تحتمل التّقسيم ليحصل حكمها منقسمًا عليها "لو يجعل" (١) بعضها علة، وبعضها شرطًا بل إيجابهما جميعًا مع قبولهما علّة واحدة للزّوال والدّخول جميعًا ثم الحكم ينقسم عليهما بحكم المزاحمة فيصير هذا مُملِكًا وهذا مُتَملِّكًا، وإن قبل أحد المشترين (٢) وحده (٣) لم يصحّ، لأنّه إذا انفرد فهو غيره إذا انضمّ إلى قبول شريكه.

كالطّلقة غير الطّلقة من الطّلقتين على قول أبي حنيفة -رحمه الله- فيما إذا قال لها طلّقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسي ثلاثاً لم يقع عنده، بخلاف ما إذا قال إن ضربته سوطًا (٤) فهو حرّ؛ لأنّ سبب العتق هناك قوله أنت حرّ وقد تفرّد به الحالف، فالضّارب لا يكون مشاركًا له في سبب العتق ولا راضياً بأصل السّبب بمجرّد مباشرة الشّرط فلهذا لا يسقط حقّه في التّضمين.

[٤٠٣/ أ] فإن قلت: يشكل على هذا مسألة الفرار فإن الزّوج إذا علّق الطّلاق بفعلها الذي لها منه بُدّ ففعلت/ يكون راضيًا بحكم الشّرط لرضاها بمباشرة الشّرط فلا ترث فعلم بهذا أنّ الرضاء بالشّرط رضاء بحكم المشروط.

قلت حكم الفرار ثبت في أصله بشبهة العدوان (٥)؛ ألا ترى أنّ الزّوج إذا علق الثّلاث بفعله في صحّته، ثم فعلهُ وهو مريض يصير فارًّا بمباشرة الشّرط، وأنّه شبهة عدوان لا حقيقة له، فلما ثبت الفرار بشبهة العدوان بطل (٦) أيضًا بمعارضة شبهة الرضاء بفعل الشّرط، وهذا الضّمان واجب بحقيقة العدوان، وهو ضمان الإتلاف عندهما وضمان الحيلولة (٧) والغصب (٨) وقطع اليد عند أبي حنيفة -رحمه الله- فلم يبطل إلا بحقيقة الرضاء صريحًا أو بمباشرة العلّة دون الشّرط إلى هذا أشار شمس الأئمة (٩) وفخر الإسلام (١٠) -رحمهما الله-.


(١) لو يجعل: هكذا في (ب).
(٢) المشترين: في (ب) المشتريين، وهو الصواب.
(٣) وحده: في (ب) "واحده " والصواب ما في (أ).
(٤) " سوطاً " زائدة في (ب). وليس بها تغيير للمعنى.
(٥) العدوان من الاعتداء التخطي ومجاوزة الحد. انظر: معجم لغة الفقهاء (١/ ٧٥).
(٦) الباطل لغة: نقيضُ الحق. انظر: لسان العرب (١١/ ٦٦)، (بطل).
وفي اصطلاح الحنفيةِ: الباطل هو الذي لم يكن منعقدا بأصله ولا بوصفه
انظر: غمز عيون البصائر (٢/ ٢٧٤).
وفي عرف الفقهاء: ما لا يكون مشروعا لا بأصله، ولا بوصفه.
انظر: البحر الرائق (٦/ ٧٥).
(٧) الحيلولة: مصدر من حال الشيء بيني وبينك: أي حجز. انظر: معجم لغة الفقهاء (١/ ١٨٩).
(٨) الغصبُ في اللغةِ: أخذ الشيء ظلماً.
انظر: لسان العرب (١/ ٧٦٠)، (غصب).
وفي عرف الفقهاء: إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة في مال متقوم محترم قابل للنقل بغير إذن مالكه.
انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٢٢٢).
وعرف أيضاً بأنه: عبارة عن أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده عنه.
انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٣٣٨).
(٩) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٤/ ١٠٠).
(١٠) فخر الإسلام هو الإمام علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد أبو الحسن المعروف بفخر الإسلام البزدوي الفقيه الإمام الكبير صاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة، توفي يوم الخميس خامس رجب سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة وحمل تابوته إلى سمرقند ودفن بها على باب المسجد، وبزدة قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف، ومن تصانيفه المبسوط، وشرح الجامع الكبير والجامع الصغير وله في أصول الفقه كتاب كبير مشهور ومفيد تعالى.
انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٧٢)، الوافي بالوفيات (٢١/ ٢٨٣، ٢٨٤).